العرض الإسرائيلي لسوريا أصبح علنيا مؤكدا بعد ان أكدته القيادة السورية وأخرجت بعض تفاصيله المنقولة عن الوسيط التركي. الجولان المحتل مقابل السلام في صيغة مغرية تحاول اسرائيل ان تحقق عبرها نصرا ديبلوماسيا وهي تبرز أمام العالم كدولة ساعية للسلام بالشروط والمبادىء التي تحددها قرارات الشرعية الدولية وتتطلع لها كل القوى المحبّة للسلام. طبعا ليست هذه هي المرة الأولى التي تصاعد فيها الحديث عن امكانات اتفاق سلام سوري اسرائيلي خاصة وان تجربة التفاوض السابقة التي توقفت على حدود أمتار مستعصية على ضفة بحيرة «طبريّة» كادت تفضي الى اتفاق بين الطرفين لولا ارادة الرئيس الراحل حافظ الأسد في جعل عامل الزمن مرجع الحظوظ السوريّة في استرجاع الأرض المحتلّة كاملة بشروط أقل ضغط وابتزاز. الآن يبدو العرض الإسرائيلي مناورة جيّدة الصيّاغة بأعتبارها تلقي المسؤولية كاملة على كاهل القيادة السوريّة في سياق ظروف اقليمية ودولية مختلفة نوعيا عن ظروف المفاوضات السابقة. العرض الإسرائيلي احراج أكيد لصلابة المحور السوري الإيراني الذي يلقي بظلاله على كامل المنطقة بدءا بالعراق وصولا الى لبنان ورغم التصريحات الأوليّة لبعض المسؤولين السوريين عن التمسك بثوابت وحدة المسارات في اشارة سورية لاستبعاد امكانات السلام المنفرد مع اسرائيل فإن العرض الإسرائيلي نجح في اعادة خلط الأوراق بالنظر لحالة الحرج والارباك التي يمكن ان يخلقها وسط حلف متين قد يتصدع بفعل اي التباس في صيغة التعامل السوري الممكن مع اليد الإسرائيلية الممدودة. سوريا في موقف حرج اما الرفض وبالتالي تفويت الفرصة على حل واقعي ممكن يعيد الهضبة الى أهلها او القبول وبالتالي انهيار احدى أبرز دعائم الشرعية السياسية والعقائدية التي قامت عليها سياسات النظام السوري الداخلية والإقليمية منذ عقود كسياسات يخص قيادة خط الصمود والتصدّي وجبهة الممانعة في وجه اسرائيل. إذا كانت مقارعة اسرائيل الرابضة كأمر واقع غير بعيد عن العمق السوري منذ عقود قد احتاجت كل حكمة وصبر وحنكة الرئيس الراحل حافظ الأسد فإن «هجوم السلام» الإسرائيلي الأخير على سوريا سيحتاج بالتأكيد أكثر من حكمة الأسد الأب مضافا إليها قدرة الأسد الإبن ومن ورائه كل سوريا في صياغة أسلوب التعامل المناسب مع العرض الإسرائيلي الذكيّ.