يبدو أن الوساطة التركية بين سوريا واسرائيل قد حققت تقدما ملموسا اثر جولة جديدة من المحادثات الثنائية غير المباشرة بين وفدي دمشق وتل أبيب لتحقيق انفراج سياسي بين البلدين. وكان وزير الخارجية السوري قد أعلن أكثر من مرة أن سوريا وافقت على اجراء مفاوضات سلام مع اسرائيل بعد التزام الأخيرة بالانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مؤكدا أن قبول سوريا مبدأ التفاوض غير المباشر جاء بعد أن نقل الطرف التركي التزام اسرائيل بالانسحاب من الجولان الى خط الرابع من جوان 1967 وفقا لأسس مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991. لقد وفّقت أنقرة في تقريب وجهات نظر الطرفين المتنازعين بتحقيق اتفاق بينهما على مواصلة هذه المباحثات في جولات متتالية خلال الأسابيع المقبلة. ورغم الفجوة الكبيرة التي مازالت تفصل بين مواقف الطرفين نتيجة المطالب الأساسية والشرعية للجانب السوري فإن الوفد الاسرائيلي يعتزم اقتراح اجتماع ثنائي بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة الاسرائيلية على هامش القمة التي ستحتضنها باريس خلال هذه الصائفة بشأن بعث اتحاد جديد لدول من أوروبا والبحر المتوسط. ومع أن الوفد الاسرائيلي ليس متفائلا بشأن فرص موافقة سوريا على هذا الاقتراح فإن لهذا الموقف ما يبرره نظرا الى أن القيادة السورية تصر على مطلب جوهري يتمثل في استعادة كل الجولان قبل الحديث عن أي شكل من أشكال السلام بين البلدين. لقد أحجمت اسرائيل في السابق على إعادة هذه المرتفعات الاستراتيجية المحتلة وتوقفت تبعا لذلك المحادثات الجارية حينئذ خلال سنة 2000. وتجددت حاليا المفاوضات بوساطة تركية ولكن الى حين.. لقد برهنت اسرائيل على مدى عقود على عدم الجدية في المفاوضات سواء مع الجانب السوري أو الفلسطيني أو اللبناني.. بل وكرست سياسة استيطانية متواصلة بانشاء وحدات سكانية في الاراضي المحتلة والتشجيع على الانتصاب فيها. ، مما عزز الموقف العربي بأن كل تقارب في وجهات النظر في إطار مفاوضات ثنائية أو موسعة إنما هو ورقة تتلاعب بها القيادة الاسرائيلية لتلبية مطالب داخلية أو للمساومة بشأن انتخابات محلية أو مجاراة لضغوط دولية.. وفي هذا السياق فإن فتح قناة تفاوض ولو بشكل غير مباشر مع سوريا يهدف الى دق اسفين في العلاقات الوثيقة بينها وبين المقاومة اللبنانية والفلسطينية والتشويش على الروابط المتميزة بين دمشق وطهران في مسعى لعزل كل مصادر الدعم للفلسطينيين واللبنانيين في مقاومتهم للاحتلال، ويمثل ذلك أحد أبرز الشروط الاسرائيلية. لقد أعلن أولمرت في وقت سابق أن على اسرائيل القيام ب«تنازلات صعبة» لتحقيق السلام مع سوريا.. دون تقديم أدنى وعود تتعلق بالقضية الأساسية وهي الجولان.. ثم أن رئيس الحكومة الاسرائيلية ذاته مهدد حاليا بترك منصبه في رئاسة حزب «كاديما» ورئاسة الحكومة بعد اتهامه في قضية فساد مازالت تطوراتها تتفاعل، وهي مفتوحة على أكثر من احتمال. وفي ظل هذه الحقائق فإن سوريا لا تعلق كثيرا على هذه المحادثات ولا تراهن على نتائجها.