خلف الضربات "الجراحية" المعلنة من قبل واشنطن على المواقع النووية الإيرانية، بما فيها موقع فوردو عالي الأهمية الاستراتيجية، تكمن عملية عسكرية ذات أبعاد تكنولوجية وميزانية هائلة. وبحسب عدة مصادر أمريكية، فإن الضربات التي نُفذت في 22 جوان 2025 قد كلفت مئات الملايين من الدولارات، دون احتساب الجهود اللوجستية والمنصات العسكرية المشاركة. قاذفات شبحية بسعر 2.1 مليار دولار للواحدة أغلب الضربات التي استهدفت موقعي فوردو ونطنز نُفذت بواسطة القاذفات الشبحية الشهيرة B‐2 سبيريت، والتي تُعد من أعقد الابتكارات التكنولوجية في سلاح الجو الأمريكي. وتُقدر تكلفة كل طائرة من هذا الطراز بحوالي 2.1 مليار دولار، ما يجعلها من بين أغلى الطائرات في العالم. وفي إطار العملية التي أُطلق عليها اسم "مطرقة منتصف الليل" (Midnight Hammer)، تم استخدام ما لا يقل عن 7 قاذفات B‐2، مدعومة بأكثر من 125 طائرة دعم، وفقًا لبيانات نشرها موقع The Australian. وتُقدر تكلفة تشغيل هذه القاذفات وحدها، بما في ذلك التزود بالوقود والمرافقة والصيانة، بنحو 56 مليون دولار لمهمة استمرت حوالي 37 ساعة. قنابل GBU-57 بسعر 15 مليون دولار للوحدة لاستهداف المواقع المحصنة في فوردو، لجأت الولاياتالمتحدة إلى أقوى ذخيرتها: القنابل المخترقة للتحصينات GBU‐57، المعروفة باسم "المتفجرات الضخمة الخارقة". وقد صُممت هذه القنابل التي تزن 14 طنًا لاختراق الخرسانة والطبقات الصخرية العميقة، وتُقدّر كلفة الواحدة منها بما يتراوح بين 10 و20 مليون دولار. وقد تم إسقاط ما لا يقل عن 14 قنبلة من هذا الطراز، ما يرفع تكلفة هذه الفئة من الذخائر وحدها إلى ما بين 140 و280 مليون دولار. ويضاف إلى ذلك استخدام صواريخ كروز من نوع توماهوك، أُطلقت من غواصة نووية لاستهداف موقع أصفهان. وتُقدر تكلفة كل صاروخ بحوالي 2 مليون دولار، وتم استخدام ما لا يقل عن 24 صاروخًا بحسب مصادر عسكرية. تكلفة إجمالية تتصاعد باحتساب الذخائر المستخدمة فقط (GBU‐57 وتوماهوك)، فإن العملية تمثل استثمارًا فوريًا لا يقل عن 200 إلى 350 مليون دولار في الأسلحة. كما تم حشد منصات عسكرية عالية التكلفة: قاذفات، وطائرات تزود بالوقود، وطائرات استطلاع، ومرافقة جوية، بالإضافة إلى غواصات نووية. ويؤكد الخبراء أن الكلفة الإجمالية للعملية، إذا ما أُخذ في الاعتبار استهلاك المنصات والموارد البشرية، تتجاوز المليار دولار بسهولة. فعالية عسكرية محل جدل رغم هذا الحشد الضخم من القوة والوسائل، فإن الفعالية الاستراتيجية للعملية ما زالت محل تشكيك. فقد قدّرت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) في اليوم التالي للضربات أن المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني لم تُدمّر، وأن البرنامج لم يتعرض سوى لتباطؤ جزئي لا يتجاوز بضعة أشهر. أما موقع أصفهان، الذي يُعتقد أنه يحتوي على 60% من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، فلم يتم اختراقه بعمق. وقد أقر رئيس هيئة الأركان المشتركة، دان كين، بأن قنابل GBU‐57 لم تكن فعالة ضد موقع مدفون بهذا العمق، مما يفسر اللجوء إلى صواريخ توماهوك لضربات سطحية محدودة النطاق. ترامب ينكر، والوكالات تضع الأمور في نصابها في حين تتحدث وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) عن أضرار جسيمة لكنها جزئية، يواصل الرئيس السابق دونالد ترامب التأكيد على أن المواقع النووية الثلاثة المستهدفة "دُمّرت بالكامل". وقد هاجم بشدة صحفيي CNN ونيويورك تايمز، متهمًا إياهم بنشر "أخبار كاذبة" بشأن حجم الأضرار الحقيقي، وطالب بطردهم فورًا عبر منصته "تروث سوشيال" (Truth Social). بين القوة والتكلفة والجدوى تجسد الضربات على فوردو والمواقع النووية الإيرانية الأخرى، من جهة، القوة العسكرية الأمريكية، ومن جهة أخرى، الحدود الاستراتيجية لحرب تكنولوجية مرتفعة الكلفة. فقد أُنفقت مئات الملايين من الدولارات مقابل نتائج اعتُبرت محدودة، في وقت باتت فيه المنشآت الرئيسية للبرنامج النووي الإيراني مخفية على أعماق لا يمكن الوصول إليها. وتعيد هذه الوقائع إطلاق الجدل حول جدوى الاستراتيجية العسكرية في مواجهة برنامج نووي موزع، محمي، ويتمتع بقدرات على التكيف والصمود.