في أعقاب الحرب القصيرة التي دامت اثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل، ورغم أنه من السابق لأوانه الحديث عن تحولات جذرية في مسار العلاقات الإيرانية – الإفريقية، إلا أنّ المؤشرات التي خلفتها هذه المواجهة وتداعياتها الجيوسياسية تستحق التوقف والتحليل، خاصة في ظل التفاعلات الإقليمية داخل القارة وتحولات التحالفات القائمة. علاقات متقلبة منذ 1979 منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ظلت العلاقات الإيرانية – الإفريقية تتأرجح تبعًا للظروف الجيوسياسية الإقليمية وتطلعات طهران إلى توسيع نفوذها الاستراتيجي. واستفادت إيران من تطورات عديدة داخل القارة لبناء شراكات مع أكثر من عشرين دولة إفريقية، من خلال التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري، مما مكّنها من تسويق منتجاتها، بما في ذلك الأسلحة، حيث تحتل مرتبة متقدمة بعد روسياوالصين وتركيا. مرحلة جديدة بعد الحرب خلافًا للتوقعات، خرجت إيران من الحرب دون أن تفقد مكانتها الإقليمية، رغم الضربات الأميركية لمنشآتها النووية. بل على العكس، يرى مراقبون أن طهران عززت من موقعها، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة في إفريقيا، شرط أن تُحسن استثمار نتائج هذه المواجهة. هناك عاملان أساسيان يدفعان بهذا الاتجاه: * أولًا، استمرار صمود النظام الإيراني وخروجه من المواجهة دون عزلة دولية كبرى، يمنح طهران فرصة للمناورة والانفتاح، خاصة إذا نجحت في إبقاء خطوط الاتصال مع الغرب مفتوحة حول ملفيها النووي والصاروخي. * ثانيًا، تلاشي الحذر الإفريقي التدريجي تجاه طهران، نتيجة لتقاربها مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وتراجع الضغوط الأميركية – الإسرائيلية السابقة على الدول الإفريقية. رغم ذلك، لا تزال المغرب تحتفظ بموقف مناهض لإيران بسبب دعمها لجبهة البوليساريو. مسارات تعاون متعددة تملك إيران اليوم فرصة لتعزيز تعاونها مع دول مثل النيجر وزيمبابوي في مجالات الطاقة واليورانيوم، بالإضافة إلى تطوير استثماراتها في الصناعات الزراعية والسيارات في دول مثل السنغالوتنزانياوموزمبيق وإثيوبيا. كما تُولي طهران أولوية قصوى للحضور الإستراتيجي في باب المندب والبحر الأحمر، من خلال علاقاتها مع جيبوتي، إريتريا، والسودان، وهو امتداد طبيعي لحضورها في اليمن وتنافسها مع إسرائيل في الممرات البحرية الدولية. محاور جديدة داخل القارة في ظل الانكفاء الفرنسي والأميركي، وبروز أدوار روسية وصينية متقدمة داخل القارة، تسعى إيران إلى تعزيز محورها مع بكين وموسكو في إفريقيا، خصوصًا في منطقة الساحل: النيجر، مالي، بوركينا فاسو، وغينيا، وصولًا إلى الجزائر وتونس، وربما مصر. وتبدو طهران أكثر اطمئنانًا في جنوب القارة بفضل علاقاتها التاريخية مع جنوب إفريقيا، موزمبيق، وأنغولا، حيث تراهن على بريتوريا كنقطة انطلاق نحو شراكات أعمق. النفوذ الناعم الشيعي تعتمد إيران كذلك على قوتها الناعمة، حيث بنت على مدى عقود شبكات تأثير دينية وثقافية وتعليمية، ونجحت في إنشاء مجتمعات شيعية نشطة في أكثر من 20 دولة، أبرزها نيجيريا (حوالي 5 ملايين شيعي)، السنغال، سيراليون، غانا، ليبيريا، الكوت ديفوار، ومالي، بالإضافة إلى كينيا، تنزانيا، مدغشقر، وجزر القمر، وتشاد، والكونغو الديمقراطية. وتُعد الحوزات والمراكز الثقافية والمنح الدراسية والمناسبات الدينية والإعلام الموجه من أبرز أدوات هذا النفوذ، خاصة في ظل تعاطف قطاعات واسعة من المسلمين في إفريقيا مع موقف إيران تجاه إسرائيل والولايات المتحدة. انفتاح محسوب رغم التحديات رغم التحديات المالية التي تواجهها بعد الحرب، فإن إيران تبدو عازمة على تكثيف حضورها السياسي والاقتصادي في إفريقيا، وبناء تحالفات جديدة وتعزيز وجودها في الأسواق الصاعدة، مع الاستعداد لهجوم مضاد محتمل من إسرائيل ضد مصالحها في القارة. في ظل التغيرات العميقة التي تعرفها إفريقيا اليوم، من صعود قيادات جديدة إلى تراجع الأنظمة التقليدية، وغياب النفوذ الغربي، فإن محور الصين – روسيا – إيران يجد الأرضية خصبة للتمدد، وإذا تمددت الصينوروسيا، فإن إيران، رغم جراحها، ستكون هناك بكل تأكيد، كأحد أبرز المستفيدين من المشهد الجديد.