- يرى ملاحظون ومتتبعون للشأن الإيراني ? الإسرائيلي في الشرق الأوسط أن الصراع بين البلدين قد اتسعت رقعته لتصل إلى إفريقيا، حيث يسعى كل طرف إلى البحث عن شركاء جدد، وذلك تأكيدا لقول بن غوريون في المؤتمر الصهيوني الخامس والعشرين "إن المستقبل الاقتصادي الإسرائيلي ووضعها الدولي يتوقفان على الروابط التي نجتهد بإقامتها مع إفريقيا وآسيا". لقد كانت الدولة العبرية تدرك جيدا أنّ دورها في إفريقيا والبلدان النامية مسألة حيوية، خاصة في الفترة الأخيرة، في ظل قوة «نووية مرتقبة «واقتصادية صاعدة في المنطقة ممثلة في نظام أحمدي نجاد. فما هي ملامح هذا التوجه؟ وهل ستعرف المنطقة فعلا حربا اقتصادية واستراتيجية بين طهران وتل أبيب؟ وما الذي يجعل من القارة الإفريقية ملعبا جديدا لصراع قديم؟ إنّ ولع تل أبيب بإفريقيا مسألة قديمة، فقد مثلت القارة السمراء متنفسا لإسرائيل ردا على الحصار العربي . وقد بررت جولدا مايير في أحد تصريحاتها أمام البرلمان الإسرائيلي سياسة إسرائيل بإفريقيا «إننا دولة ديمقراطية وصغيرة ليست لها مطامع توسعية وتتمتع بالخصال التي تلفت نظر الأفارقة. فنحن مثلهم دولة جديدة واجهت ومازالت تواجه مشاكل متشابهة، وقد اكتسبت بعض التجارب الفريدة في مناهج التنمية وفي أساليب الرواد التي قد تفيد هذه الدول». لقد رسمت الدولة العبرية منذ مؤتمرها الصهيوني الأول خارطة الاستفادة من القارة السمراء من خلال تأمين الموارد المائية خاصة. وفي ظل التطورات الحالية التي يشهدها الشرق الأوسط، وفي ظل تزايد الخطر الإيراني على حد تعبير قادة تل أبيب، أصبحت إسرائيل تعمل على تدعيم العلاقات مع إفريقيا حيث تسعى جاهدة لدعم وجودها في المنطقة من خلال تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية. موقف «الدولة الحديثة» وبالرغم من اهتمام إسرائيل بعدد من الدول الإفريقية، فإنّ أبرز هذه الدول هي دولة جنوب السودان التي سعت إسرائيل إلى ضمان حضور اقتصادي ودبلوماسي قوي فيها حتى قبل إعلان الاستقلال. وفي أكتوبر من العام الماضي أكد سيلفا كير رئيس جنوب السودان أنّ إسرائيل عدوة للفلسطينيين فقط وليست عدوة دولة الجنوب. ويعتبر خبراء إسرائيليون أنّ جنوب السودان يمكن أن يمثل خطوة هامة في طريق تحالف إسرائيل مع دول غير عربية في الشرق الأوسط على غرار تركيا. إلا أنّ الصحفي الإسرائيلي لاري ديرفنير في صحيفة «جيروساليم بوست» قد ذهب إلى أبعد من ذلك فهو يصف تل أبيب وجوبا ب»الحلفاء الطبيعيين» مشيرا إلى أنّ تاريخ العلاقات بين إسرائيل وسودانيي الجنوب كانت إيجابية ، فإسرائيل لم تقتل أو تستخدم العنف ضدّ هؤلاء مثلما فعلت مصر والسودان. ويشير خبراء أفارقة إلى أنّ إسرائيل تعكف على دعم رئيس جنوب السودان سيلفا كير عسكريا ومخاباراتيا، وذلك في مقابل المساعدات التي يمنحها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للرئيس السوداني عمر البشير. وللإيرانيين نصيب لا يبدو أنّ إفريقيا تمثل مطمعا اقتصاديا واستراتيجيا إسرائيليا فقط بل أيضا ملعبا إيرانيا جديدا فقد تزايدت زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى موريتانيا والسودان في الفترة الأخيرة، ويشير تقرير نشره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية إلى أنّ طهران تهدف أساسا من خلال دعم حضورها في إفريقيا إلى تحسين علاقاتها مع موريتانيا كتعويض عن خسارتها في منطقة المغرب العربي. إلا أنّ التقرير يوضح أنّ نواكشوط قد تكون حصان طروادة الجديد الذي ستعتمده إيران للنفاذ إلى السنغال التي تتمتع بنفوذ دبلوماسي قوي في مجموعة الدول الفرانكفونية في إفريقيا والأممالمتحدة. ويبقى الهدف الأساسي بالنسبة إلى طهران هو كسب حلفاء في المحافل الدولية في مواجهة الغرب.إضافة إلى تطويق الحضور الإسرائيلي المتصاعد في إفريقيا بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارته لبعض الدول الإفريقية في مطلع العام المقبل. وقد سعت الحكومات الإيرانية سابقا إلى ضمان حضورها اقتصاديا وسياسيا في القارة السمراء. فعلى سبيل المثال تلك الجولة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وقائد قوات القدس بالإنابة عام 2009 في عدد من المدن الإفريقية. و في هذا الصدد يعتبر مراقبون أن تلك الزيارة تعكس مخططا إيرانيا لاختراق غرب إفريقيا واحتضان دوله في ظل التجاهل الغربي لدول القارة السمراء من خلال إقامة علاقات دبلوماسية معها. تقارير تؤكد توجه نجاد تتحدث تقارير غربية عن أنّ نجاد يضع القارة الإفريقية على رأس قائمة أولوياته الخارجية، ويبذل جهودا مضنية من أجل ترسيخ الوجود الإيراني فيها. وتسعى حكومة نجاد من خلال هذا التحرك إلى تقليص النفوذ الأميركي والغربي والدفع بالمصالح الاقتصادية في القارة على ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بالخصوص. وتشير تقارير أخرى إلى أن طهران تولي أهمية قصوى بالسودان باعتباره الساحة الخلفية للعالم العربي عامة ومصر خاصة وبوابة للتغلغل في القارة الإفريقية. وأكدت على أن العلاقات مع الخرطوم تشهد تحسنا متزايدا. وتحدثت بالتفصيل عن أشكال وأوجه العلاقات بين الجانبين. كما أكدت هذه التقارير أن إيران وعبر السودان وجدت الفرصة لإقامة علاقات مع منظمة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية وجبهة الإنقاذ الجزائرية، وأيضا مع حركات إسلامية من المغرب وموريتانيا، وكذلك مع «حزب الله» و»حماس» فيما يتعلق بموضوع تهريب الوسائل القتالية إلى القطاع، وأوضحت أن طهران تتخذ من السودان قاعدة لتدريب تلك العناصر، وكذلك قاعدة لنشر المذهب الشيعي في القارة. الصراع على إفريقيا تحولت القارة الإفريقية إلى ساحة صراع بين تل أبيب وطهران في محاولة من جانبيهما دعم مواطن قوتها في القارة السمراء بهدف مواجهة التغيرات المتتالية التي يشهدها الشرق الأوسط. وقد نشرت صحيفة «إيدعون أحرونوت» الإسرائيلية مقالا تحدث فيه عن انطلاق معركة إقليمية جديدة على موطئ القدم في إفريقيا. وقد يطور الصراع على النفوذ في إفريقيا إلى حرب باردة بين تل أبيب وطهران نظرا للأهمية الحيوية والاستراتيجية للقارة السمراء بالنسبة إلى الطرفين. وتبرز ساحة الصراع على إفريقيا بينهم خاصة من خلال الأممالمتحدة حيث يمكن لأصوات إفريقيا وعددها 53 صوتا إحداث فرق في القرارات الدولية التي تهم الجانبين. وقد أظهرت تسريبات نشرتها صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أنّ إسرائيل تعمل جاهدة على دعم عدد من الدول الإفريقية لوجستيا وعسكريا في القرن الإفريقي وشرق القارة السمراء خاصة، في مقابل النفوذ الإيراني المتصاعد. و أشار موقع «Security Weekly» الأمريكي إلى حرب استخباراتية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى ليس فقط ضدّ برنامج إيران النووي ولكن ضدّ أية قدرة إيرانية على إنشاء قوس نفوذ جديد في المنطقة. ويبدو أنّ الصراع على النفوذ في إفريقيا وآسيا بين إيران وإسرائيل سيطور بتطور الأوضاع في الشرق الأوسط إذ سيحاول كل منهما دعم علاقاته بحلفائه القدامى وصناعة أصدقاء جدد بعد أن أخذ "الربيع العربي" في طريقه حلفاء الأمس.