منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، بات نفوذ التيارات الإنجيلية اليمينية المتطرفة، ولا سيما تلك المنضوية تحت لواء "الصهيونية المسيحية"، أكثر وضوحًا وتنظيمًا. فهذه الشخصيات الراديكالية، التي تحتل مناصب مفصلية داخل الإدارة الأمريكية، تدفع بسياسة واشنطن الخارجية، خصوصًا في الشرق الأوسط، نحو اتجاه مؤيد بشكل صارخ لإسرائيل ومعادٍ للمسلمين. فيما يلي لمحة عن أبرز خمس شخصيات نافذة تتحرك في ظل الرئيس الأمريكي. 1. بيت هيغسِث – وزير دفاع في مهمة صليبية هو عسكري سابق خدم في غوانتانامو والعراق وأفغانستان، ويُجسّد بيت هيغسِث مزيجًا متفجرًا من الأيديولوجيا الدينية والعسكرية. في كتابه الحملة الصليبية الأمريكية، يصوّر الإسلام ك"أيديولوجيا عدوانية". وقد أثار جدلاً واسعًا مؤخرًا بعد ظهوره في تمرين عسكري وذراعه تحمل وشمًا باللغة العربية لكلمة "كافر". هيغسِث، المؤيد المتحمّس لإسرائيل، يرى في المواجهة مع إيران محطة "نهاية زمنية" ضمن "حرب توراتية". ويتولى حاليًا قيادة البنتاغون في ظل تصاعد الضربات على المنشآت النووية الإيرانية، تغذيها رؤيته اللاهوتية للصراع. 2. ستيفن ميلر – مهندس الإسلاموفوبيا المؤسسية ينحدر من عائلة يهودية من كاليفورنيا، ويؤدي ستيفن ميلر دورًا محوريًا كمستشار سياسي وأمني. يُعد من أبرز من صاغوا القرار الشهير بحظر دخول المسلمين إلى الولاياتالمتحدة عام 2017. منذ أيام دراسته الجامعية، كان يروّج ل"صراع حضارات" ضد ما يصفه ب"الإسلام الفاشي". وفي ظل إدارة ترامب، يواصل التأثير في سياسات الهجرة والأمن، من خلال الدفع نحو مراقبة المساجد وتشديد إجراءات اللجوء. وهو يستند في رؤيته إلى مراجع يمينية متطرفة تشتهر بعدائها الصريح للمسلمين. 3. مايك هاكابي – القس وسفير أمريكا في القدس الحاكم السابق لولاية أركنساس، مايك هاكابي، يشغل حاليًا منصب سفير الولاياتالمتحدة في إسرائيل. ويُعد من أبرز رموز التيار الإنجيلي الكاريزماتيين. لا يعترف بالضفة الغربية كأرض محتلة، بل يصفها ب"يهودا والسامرة"، مستخدمًا المصطلحات التوراتية المعتمدة لدى اليمين الإسرائيلي. في تصريحاته، يرفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، ويدعو إلى "الرد على إيران وفقًا لإرادة الله"، ولا يستبعد حتى استخدام السلاح النووي. بالنسبة لهاكابي، يجب أن تنسجم السياسة الخارجية الأمريكية مع النبوءات الدينية وتسريع "عودة المسيح". 4. راسل فُوت – منظّر الثيوقراطية المسيحية القومية يشغل حاليًا منصب مدير مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، ويُعد راسل فُوت المنظّر الأول لفكرة "أمّة مسيحية". يدعو إلى اعتماد القراءة الحرفية للكتاب المقدس كأساس للتشريعات الأمريكية. وقد أيد علنًا فصل أستاذة جامعية مسيحية صرّحت بأن المسلمين والمسيحيين يعبدون الإله ذاته، وهو ما رفضه فُوت رفضًا قاطعًا، مستبعدًا أي شكل من أشكال الحوار الديني. يلعب دورًا رئيسيًا في مشروع "2025"، الذي يهدف إلى إعادة تشكيل الدولة الفيدرالية على أسس دينية إقصائية، وإبعاد المسلمين عن المجال العام، حتى على المستوى الرمزي. 5. بولا وايت – كاهنة النفوذ الروحي تُعرف بولا وايت، المبشّرة التلفزيونية الشهيرة، بقيادتها لما يُعرف ب"مكتب الإيمان" في البيت الأبيض. تمثل عقيدة "لاهوت الازدهار"، وقد لعبت دورًا محوريًا في قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واصفة ذلك ب"الواجب المقدس". وايت تقود فعاليات "اليوم الوطني للصلاة" برفقة قساوسة يحملون مواقف معادية بشدة للمسلمين. وتؤكد أن دعم مكتبها للسياسات الإسرائيلية لا ينبع من اعتبارات جيوسياسية، بل من قناعة راسخة بأن "خدمة إسرائيل هي خدمة لله". نحو أمريكا خاضعة للوصاية الأيديولوجية؟ يكشف تصاعد نفوذ هذه الشخصيات الخمس عن أمريكا تتلاشى فيها الحدود بين الدين والسياسة بشكل خطير. إذ يجري توظيف السرديات الدينية لتبرير الحروب، وتهميش المسلمين، وتعزيز التحالف مع إسرائيل، في مشهد يُعيد تشكيل أسس الدبلوماسية الأمريكية. ومع بلوغ التوترات في الشرق الأوسط مستويات حرجة، يبدو أن صوت هؤلاء المُنظّرين اللاهوتيين-السياسيين قد يدفع بواشنطن نحو قرارات ستكون لها تبعات إقليمية ودولية لا يمكن التراجع عنها.