في وقت يحمل فيه 60% من الوافدين الجدد إلى سويسرا شهادة جامعية، تسلط دراسة حديثة الضوء على الارتفاع الملحوظ في مؤهلات المهاجرين، مع التحذير من التحديات المقبلة في سوق أوروبي بات أكثر تنافسية. فقد كشفت دراسة مشتركة بين المدرسة الفيدرالية المتعددة التقنيات في لوزان (EPFL) و جامعة جنيف عن معطيات لافتة: سويسرا أصبحت اليوم وجهة مفضلة للهجرة ذات الكفاءة العالية، لكنها ستكون مطالَبة بتكييف استراتيجيتها إن أرادت الحفاظ على جاذبيتها في السنوات القادمة. ملامح المهاجر النموذجي : شاب، متعلّم، متنقّل استنادًا إلى بيانات هجرة تمتد على نصف قرن، ترسم الدراسة صورة دقيقة للمهاجر النموذجي في سويسرا: رجل يبلغ من العمر 33 عامًا، أعزب، ويحمل شهادة جامعية. نحو 60% من حاملي تصاريح الإقامة من نوع B أو C — سواء المؤقتة أو الدائمة — هم من ذوي المؤهلات الأكاديمية العليا. و هي نسبة في تزايد مستمر، تعكس تطور احتياجات سوق العمل السويسري. غالبية هؤلاء العمال يأتون من دول الجوار (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا)، مدفوعين بجاذبية الوضع الاقتصادي في سويسرا، لكن إقامتهم غالبًا ما تكون قصيرة الأمد، مما يحدّ من فرص اندماجهم على المدى الطويل. و في المقابل، لا تتجاوز نسبة العمال ذوي الكفاءات المنخفضة أو المتوسطة 5%، ويشغلون وظائف في قطاعات الصحة والبناء والمطاعم. اشتداد "حرب الكفاءات" في ظل النقص المتزايد في اليد العاملة المؤهلة على مستوى أوروبا، لم تعد سويسرا وحدها في سباق استقطاب العقول من الخارج. و بحسب معدّي الدراسة، فإن "حرب الكفاءات" بين الدول الأوروبية باتت واقعًا ملموسًا. فتباطؤ النمو الديمغرافي وشيخوخة السكان النشطين وتزايد المنافسة على الكفاءات كلها عوامل تنذر بصعوبات متزايدة في عمليات التوظيف خلال السنوات المقبلة. و لعلّ أحد أبرز التحديات التي ستواجه سويسرا يتمثل في قدرتها على الحفاظ على جاذبيتها وسط بيئة أوروبية أصبحت أكثر تنافسية، سواء من حيث ظروف العيش أو فرص التطور المهني. الإسلاموفوبيا في فرنسا: سويسرا ملاذ مهني جديد من جهة أخرى، يلفت مراقبون إلى ظاهرة هجرة جديدة، خفية ولكنها في تصاعد مستمر: سويسرا تتحول تدريجيًا إلى ملاذ مهني للكفاءات المسلمة، لا سيما القادمة من فرنسا. فعدد من المهنيين المؤهلين، من مهندسين وأطباء وباحثين، يعبرون عن شعور بالضيق إزاء المناخ الاجتماعي المتدهور في فرنسا، بسبب تصاعد الخطاب المعادي للمسلمين، سواء في بعض وسائل الإعلام أو في أوساط سياسية تُتهم باتخاذ مواقف متشددة ومتزايدة العداء تجاه المسلمين. و بالمقارنة، فإن الحياد السويسري و غياب الجدالات ذات الطابع الهوياتي يوفران لهؤلاء بيئة أكثر هدوءًا، تتيح لهم الاستقرار و التطور على المستويين الشخصي و المهني. و قد تساهم هذه الديناميكية مستقبلًا في تعزيز التنوع داخل النسيج الاقتصادي السويسري، مع إمكانية إعادة تشكيل أنماط الهجرة داخل القارة الأوروبية. تعليقات