منذ سنوات، يعمل الباحثون والأكاديميون على تفكيك الربط المغلوط بين الهجرة وانعدام الأمن. ففي عام 2023، ذكّر عالم الاجتماع الفرنسي فرانسوا هيران، أستاذ كرسي في كوليج دو فرانس، عبر إذاعة "فرانس إنتر"، بعدم وجود أي علاقة سببية بين السياسات المتعلقة بالهجرة ووقوع الهجمات الإرهابية. ومع ذلك، لا تزال الرأي العام الفرنسي يتأثر بسرديات تنذر بالخطر، يُصوَّر فيها المهاجر—وغالبًا ما يُقرن بالإسلام—كتهديد أمني أو ثقافي. الإسلام… الهدف المفضل للخطاب السياسي بات الخلط بين الهجرة والإسلام أداة انتخابية فعّالة. فقد حذر جورنال دو ديمانش، في مقالات رأي دعمها عدد من الشخصيات السياسية، مما سماه "تحولًا ثقافيًا متسارعًا"، ملوّحًا بمفهوم "الغمر الديمغرافي"، المرتبط مباشرة بنظرية المؤامرة المعروفة باسم "الاستبدال الكبير". فكرة أن الهوية الفرنسية مهددة بوصول جماهير مسلمة تُغذي خطابًا هوياتيًا أصبح أكثر شيوعًا في المشهد السياسي الفرنسي، ولا يقتصر على اليمين المتطرف. العداء تجاه المسلمين يتجاوز مسألة الهجرة: سواء كانوا فرنسيين أو أجانب، فإن انتماءهم الحقيقي أو المفترض إلى الإسلام يكفي في كثير من الأحيان لتصنيفهم ك"آخر" يُمثل تهديدًا. ويُغذّي هذا التصوّر في بعض الأحيان مظهرهم الخارجي الديني، ليشكّل أرضية لخطاب إسلاموفوبي مفضوح، حيث أصبحت عبارات من قبيل "ارجع إلى بلدك" شائعة على نحو مقلق. ولعلّ جريمة قتل هشام مراوي في منطقة بورغون، على يد رجل معروف بعدائه الصريح للمسلمين، تمثل تجسيدًا مرعبًا لهذه الكراهية؛ فقد برّر القاتل، كريستوف ب.، فعلته بعجز الدولة عن طرد "أمثال هؤلاء". وقد أكد مكتب الادعاء أن الجاني دأب على نشر محتوى متطرّف يرتبط بالإرهاب، واليمين المتطرف، والإسلام، والمؤسسات الفرنسية، ما يعكس حالة من التطرف نتيجة خطاب الكراهية السائد. وهذه الجريمة تذكّر بجريمة أخرى، تمثّلت في قتل شاب تونسي طعنًا داخل مسجد، واعتُبرت هجومًا إرهابيًا من قبل السلطات الفرنسية. المهاجر… كبش فداء لمشكلات المجتمع منذ ثمانينيات القرن الماضي، صاغ جان ماري لوبان معادلته الشهيرة: مهاجر = عاطل = خطر. ولا تزال هذه المعادلة حاضرة في الخطاب العام، إذ يُلقى اللوم على المهاجرين والمسلمين عند كل أزمة اقتصادية، أو هجوم إرهابي، أو مأساة وطنية، باعتبارهم عنصرًا يهدد الوحدة الوطنية. هذا التوظيف السياسي، المدعوم بتشريعات تزداد تقييدًا، يعكس رؤية أيديولوجية للعالم تقوم على الخوف من الآخر والهوس بهوية قومية متخيلة. الخطاب الهوياتي المهيمن في فرنسا ليس استثناءً عالميًا. فسواء في المجر مع فيكتور أوربان، أو في الولاياتالمتحدة مع دونالد ترامب، أو في إيطاليا مع جورجيا ميلوني، تُحمَّل الأقليات—المهاجرة، المسلمة، أو اليهودية—مسؤولية الانحدار الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. وتُخفي هذه الخطابات التبسيطية التحديات الحقيقية لعصرنا: كتصاعد التفاوتات، وتبعات الرأسمالية غير المنضبطة، والنزاعات الجيوسياسية، والاختلال المناخي. انقسام يُستغل لأغراض انتخابية السياسات التي تُضفي طابعًا سياسيًا على قضايا الهجرة والإسلام لا تعكس واقعًا موضوعيًا، بقدر ما تشكّل وسيلة للهيمنة على الرأي العام. فعبر إثارة المخاوف الهوياتية، يسعى بعض الساسة إلى صرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للضيق الاقتصادي والاجتماعي. لكن هذه الاستراتيجية التوتيرية، وإن كانت تجلب أصواتًا على المدى القصير، فإنها تُقوّض أسس التماسك الوطني على المدى الطويل. أما تصاعد الإسلاموفوبيا المؤسسية، وتشديد قوانين الهجرة، فلا يشكّلان بأي حال استجابة بنيوية لتحديات القرن الحادي والعشرين. بل على العكس، فإنهما يعمّقان الانقسامات، ويشرعنان العنف العنصري، ويهيّئان الأرضية للتطرف. سياسة تقوم على الاعتراف، والعدالة الاجتماعية، والصدق التاريخي، هي وحدها القادرة على إعادة بناء الثقة بين المؤسسات والمواطنين. في نهاية المطاف، فإن توظيف الخوف من الآخر لا يحل أي مشكلة. بل يكرّس مناخًا من الكراهية والريبة، لا ينسجم مطلقًا مع القيم الديمقراطية التي تزعم الجمهورية الفرنسية الدفاع عنها. تعليقات