تواجه سويسرا أزمة ديموغرافية تلوح في الأفق، من شأنها أن تُخلّف آثارًا اقتصادية كبيرة. ووفقًا لدراسة حديثة صادرة عن البنك الوطني السويسري (BNS)، قد يشهد سوق العمل في البلاد نقصًا يُقدَّر بنحو 400 ألف عامل بحلول عام 2035، أي ما يعادل عجزًا سنويًا يبلغ 50 ألف وظيفة، إذا لم تُتخذ إجراءات تصحيحية. و يُعزى هذا النقص، في غياب الهجرة، إلى تفاقم اختلال هيكلي قائم حاليًا، يُقدَّر بنحو 25 ألف شخص سنويًا. و يرتبط هذا العجز أساسًا بتقاعد جماعي وشيك لجيل "الطفرة السكانية" (baby-boomers). وللتعامل مع هذا التحدي، تقترح الدراسة عدّة خيارات، من بينها تعزيز الهجرة، تأخير سن التقاعد القانوني، رفع معدل النشاط الاقتصادي، لا سيما بين النساء والعاملين بدوام جزئي، بالإضافة إلى دعم توظيف اليد العاملة العابرة للحدود. غير أن هذه الحلول تواجه قيودًا. فنتائج الدراسة تُظهر ضعف تقبّل السكان لفكرة إطالة الحياة المهنية أو توسيع نطاق الهجرة. كما أن معدل التشغيل في سويسرا يُعدّ من بين الأعلى في أوروبا، مما يحدّ من هامش المناورة. و يُسجَّل أيضًا انخفاض مستمر في عدد ساعات العمل الأسبوعية، التي تراجعت من 38 ساعة سنة 1980 إلى 30 ساعة فقط حاليًا. و لا تقتصر التحديات على سوق العمل فحسب. فقد حذّر البنك الوطني السويسري من تداعيات اقتصادية أوسع قد تنجم عن هذا النقص في اليد العاملة. و مع ازدياد نسبة السكان غير النشطين، خصوصًا كبار السن، قد ترتفع الضغوط على الأجور، مما يُعزّز مناخًا تضخميًا. و قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، التي تحظى بمتابعة دقيقة من الأسواق، الأمر الذي قد يدفع البنوك المركزية إلى تبنّي سياسات نقدية أكثر صرامة. و تأتي هذه التحذيرات في سياق أوروبي عام، حيث تواجه عدّة دول تحديات ديموغرافية مشابهة، ما يطرح تساؤلات جدّية حول استدامة نماذجها الاجتماعية والاقتصادية. و قد تكون سويسرا، التي غالبًا ما تُعدّ مثالًا في مجال الاستقرار، إحدى أولى الدول التي تُرصد فيها تأثيرات الشيخوخة على سوق العمل والتوازنات المالية. و بالتالي، سيكون على سويسرا أن تختار بين مسارات صعبة: تعديل نموذجها الاجتماعي، مراجعة سياساتها المتعلقة بالهجرة، أو إعادة النظر في مكانة العمل داخل المجتمع. الأكيد أن فتح هذا النقاش بات اليوم ضرورة ملحّة. تعليقات