وُصف الاتفاق الذي وُقّع يوم الأحد 27 جويلية 2025 بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة بشأن الرسوم الجمركية بأنه "تهدئة مرحّب بها"، وذلك وفقًا للجمعية الأوروبية لمصنّعي السيارات (ACEA). لكن خلف هذا الارتياح الدبلوماسي، تكمن حقيقة أكثر مرارة: فمصنّعو السيارات الألمان، رغم كونهم محور هذا الاتفاق، بدأوا بالفعل في خفض طموحاتهم، فيما لم تستفد دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا، من أي مكاسب تُذكر. اتفاق تحت الضغط… لكن بفاتورة 15% صحيح أن الاتفاق جنّب الأسوأ: فقد هدّد دونالد ترامب بفرض ضريبة إضافية بنسبة 27.5% على السيارات الأوروبية. لكن النتيجة النهائية كانت فرض ضريبة استيراد بنسبة 15%، وهي نسبة تبقى بعيدة عن 2.5% التي كانت سارية قبل عهد ترامب. في سنة 2024، صدّرت أوروبا نحو 750 ألف سيارة إلى الولاياتالمتحدة، أي ما يعادل 22% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي في قطاع السيارات. وتتصدر ألمانيا هذه الصادرات بفارق كبير. فقد بلغت قيمة الصادرات الألمانية إلى الولاياتالمتحدة 137.9 مليار يورو سنة 2024، مقابل 54.8 مليار لإيطاليا، و14 مليارًا فقط لفرنسا، ما يكشف عن فجوة واضحة. و تمثل السيارات الألمانية الغالبية الساحقة من الصادرات الأوروبية إلى السوق الأمريكية. المصنّعون الألمان: أول من استفاد… وأول من تضرر تُعدّ خفض الرسوم الجمركية إلى 15% "أخف الأضرار" بالنسبة للعلامات الألمانية، لكنها ليست خلاصًا. فقد خفّضت شركة بورشه بالفعل من هدفها الربحي، وتراهن الآن على هامش ربح يتراوح بين 5 و7%، بعدما كان بين 6.5 و8.5% سابقًا. و اتبعت مرسيدس-بنز المنحى نفسه، إذ توقّعت هامش ربح بين 4 و6%، بعدما كان بين 6 و8% في بداية السنة. و التكلفة مرتفعة: ففرع السيارات في مرسيدس يتوقّع تأثيرًا سلبيًا قدره 362 مليون يورو على نتائجه لعام 2025. أما فولكسفاغن، فقد تراجعت أرباحها بالفعل بمقدار 1.3 مليار يورو خلال النصف الأول من السنة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى هذه الرسوم الجمركية. و فيما يتعلق بشركة بي إم دبليو، فإن تصديرها ل153 ألف سيارة إلى الولاياتالمتحدة، واستيرادها ل92 ألفًا من مصانعها هناك، يزيد الوضع تعقيدًا. اتفاق مفصّل على مقاس ألمانيا؟ وراء واجهة "الانتصار الأوروبي"، يرى كثيرون أن هذا الاتفاق صُمّم خصيصًا ليناسب برلين. فقد سعت ألمانيا خلال المفاوضات لتجنّب فرض رسوم بنسبة 30%، وهي نسبة كان من شأنها أن تشكّل صدمة اقتصادية قاسية لصناعتها السيّارية. لكن هذا التنازل الذي انتزعته المستشارية الألمانية ترك طعمًا مرًا لدى جيرانها الأوروبيين. و في فرنسا، حيث لا تتجاوز صادرات السيارات إلى أمريكا 10 آلاف وحدة سنويًا، لم يقدّم الاتفاق أي مكسب ملموس. إذ تتركز الصادرات الفرنسية أساسًا على المنتجات الفلاحية، والنبيذ، والسلع الفاخرة، وهي قطاعات لا تزال مهدّدة برفع الرسوم دون أن تستفيد من أي حماية أو انفتاح تفاوض عليه الاتحاد في إطار الاتفاق. وقد ندّد الوزير الفرنسي المكلّف بالتجارة الخارجية، لوران سان-مارتين، بهذا "الاختلال الهيكلي"، داعيًا إلى "إعادة توازن عاجلة"، مؤكدًا أنّ "الوقت لم يفت بعد". لكن الواقع الحالي واضح: فرنسا تنازلت دون أن تحصد شيئًا. قطاع تحت الضغط أصلًا يأتي هذا الاتفاق في سياق متأزّم أصلًا بالنسبة لصناعة السيارات الأوروبية. فالتحوّل نحو السيارات الكهربائية، الذي لا يزال عالي التكلفة، قلب سلاسل القيمة رأسًا على عقب. كما أن المنافسة الصينية، خاصة في مجال السيارات الكهربائية زهيدة الثمن، زادت من الضغط على هوامش الأرباح. و بالنسبة للمصنّعين الألمان الفاخرين، لا تزال السوق الأمريكية استراتيجية، ولكنها أصبحت أكثر هشاشة. و في ألمانيا، تُخشى موجة تسريحات مرتقبة في قطاع السيارات وشركات التجهيز، بسبب غياب رؤية متوسطة المدى، وتفكك مبدأ المعاملة بالمثل فيما يخصّ صادرات السيارات الأمريكية إلى أوروبا. وهكذا، فإن الاتفاق بين بروكسيل وواشنطن بشأن الرسوم الجمركية جنّب مواجهة تجارية مفتوحة، لكنه كشف في المقابل عن تصدّع في التوازن التجاري بين دول الاتحاد الأوروبي. فبينما حافظت ألمانيا على مصالح صناعتها السيّارية، بقيت فرنسا ودول أخرى على الهامش، تتحمّل العواقب دون أن تجني الفوائد. و من خلف واجهة الوحدة الأوروبية، يعكس هذا الاتفاق حقيقة صارخة: في المفاوضات الدولية، تملي القوى الكبرى ملامح التوازن النهائي. لقد اختارت أوروبا تجنّب الأزمة، لكن بثمن اختلال قد يترك آثارًا سياسية وصناعية طويلة الأمد. تعليقات