تصاعدت حدة التوتر بين الولاياتالمتحدةوروسيا، في مناخ يعيد إلى الأذهان أحلك فصول الحرب الباردة. فقد تبادل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العائد إلى البيت الأبيض في جانفي 2025، ودميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي الأسبق و نائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، سلسلة من التصريحات النارية، والإنذارات، والتلويح بالخيار النووي، ما أثار القلق و الدهشة في آن واحد. و رغم أن الأمور بدأت في البداية على نحو وُصف بالمفاجئ من حيث الود، حيث أبدى ترامب منذ انطلاق ولايته الثانية انفتاحاً لافتاً تجاه روسيا، وصل حدّ إرباك حلفائه الغربيين، إلا أن اللهجة تغيّرت بشكل جذري في الأسابيع الأخيرة. ترامب يلوّح بالإنذارات و العقوبات في منتصف جويلية، ندد ترامب بالهجمات الروسية على أهداف مدنية في أوكرانيا و أعلن عن مهلة مدتها 50 يوماً لوقف العدوان، مهدداً بفرض عقوبات اقتصادية قاسية، من بينها رسوم جمركية بنسبة 100٪ على الواردات الروسية، بما فيها النفط. و بعد أسبوعين فقط، خفّض المهلة إلى 10 أيام، معبّراً علناً عن استغرابه من صمت الكرملين. ميدفيديف يردّ بالمثل لكن الصمت لم يدم طويلاً. فمن رد ليس فلاديمير بوتين، بل دميتري ميدفيديف، الذي نشر تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، هاجم فيها ترامب بشدة، واصفاً تهديداته بأنها «استفزاز سافر»، و مذكّراً بأن «روسيا ليست لا إسرائيل و لا إيران»، في إشارة إلى الضربات الأمريكية الأخيرة دعماً لتل أبيب. و ردّ ترامب بأسلوبه المعهود عبر منصته "تروث سوشيال"، قائلاً : «قولوا لميدفيديف، الرئيس الفاشل، أن يراقب تصريحاته. إنه يدخل منطقة شديدة الخطورة.» ميدفيديف لم يتأخر في الرد و سخر من انفعالات ترامب، معتبراً إياها دليلاً على صواب الموقف الروسي. لكنه أرفق تعليقه بإشارة ثقيلة المعنى : «على ترامب أن يتذكر أن روسيا ما زالت تحتفظ باليد الميتة ، الموروثة عن الاتحاد السوفييتي.» ما هي "اليد الميتة"؟ اليد الميتة، أو "Dead Hand"، هو الاسم الذي يُطلق على نظام سوفييتي للرد النووي التلقائي أُنشئ في الثمانينات، رداً على مشروع "حرب النجوم" الأمريكي الذي أطلقه الرئيس رونالد ريغان. و يتيح هذا النظام، من الناحية النظرية، إطلاق صواريخ نووية بشكل تلقائي حتى في حال تدمير القيادة العسكرية الروسية بالكامل. و يُعد هذا النظام أداة ردع قصوى، لم يتم تفعيله رسمياً قط، لكنه ما يزال يثير قلق المحللين العسكريين حتى اليوم. و قد أراد ميدفيديف من خلال هذه الإشارة أن يذكر واشنطن بأن روسيا، رغم العقوبات، ما زالت تحتفظ بقدرات تدميرية هائلة. ردّ فوري من ترامب : نشر غواصات نووية و بعد ساعات فقط، صعّد ترامب بدوره، معلناً أنه أمر بنشر غواصتين نوويتين أمريكيتين في مناطق استراتيجية قريبة من روسيا، بهدف ردع أي تصعيد محتمل يتجاوز حدود التصريحات. و قال في منشور له : «أصدرت أوامري بنقل غواصات نووية إلى مواقع مناسبة كإجراء احترازي، تحسباً لكون هذه التصريحات ليست مجرّد كلام.» المناخ السائد يعيد إلى الأذهان بشكل مقلق أجواء الثمانينات : تهديدات بحرب نووية، استعراضات للقوة، و استراتيجيات للرد التلقائي... كلّها مؤشرات على عودة خطاب خطير ألفه العالم في القرن الماضي. و تبقى الحرب في أوكرانيا العامل المحفّز لهذا التصعيد. و بينما تعبّر أوروبا عن قلقها و تدعو منظمة حلف شمال الأطلسي إلى التهدئة، تبدو القوتان النوويتان الأكبر في العالم و كأنهما تخوضان مجدداً لعبة شدّ الحبل بطعم مرّ مألوف. هل هو استعراض سياسي أم عودة إلى منطق الردع النووي ؟ لا يمكن اعتبار التصعيد اللفظي بين ترامب و ميدفيديف مجرّد تبادل عابر للتهديدات ، بل إنه يمثل منعطفاً مقلقاً في العلاقات الروسية الأمريكية ، على خلفية حرب لا تزال مستعرة في أوكرانيا. و حتى و إن بقيت التهديدات في إطار الرمزية ، فإن مجرد التلويح بأنظمة مثل «اليد الميتة» و إعادة نشر الأسلحة النووية يذكّر بأن توازن القوى العالمي قد يهتزّ أحياناً بفعل كلمات زائدة عن الحد. و يبقى السؤال قائماً : هل نحن أمام مسرحية سياسية، أم عودة صادمة إلى منطق الردع النووي الذي حكم العالم خلال القرن العشرين ؟ تعليقات