تشهد روسيا، وفق تقارير صادرة عن وزارة الدفاع الروسية ومراكز أبحاث أبرزها معهد كارنيغي بوليتيكا، تفشيا خطيرا وسريعا لفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، في وقت حذر فيه خبراء الصحة من أن الوضع أصبح شبه خارج عن السيطرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فيفري 2022. ارتفاع مهول منذ بداية الحرب حتى قبل غزو أوكرانيا في 24 فيفري 2022، كانت الإحصاءات الروسية بشأن فيروس الإيدز مقلقة. لكن مع اندلاع الحرب، شهدت الإصابات بين الجنود والعاملين في الأجهزة العسكرية ارتفاعا هائلا، إذ تضاعفت خمس مرات خلال الأشهر الأولى، ثم ارتفعت ب13 مرة مع نهاية 2022، ووصلت الزيادة إلى 40 مرة مع بداية 2023. وبحلول نهاية 2023، أصبح معدل الكشف عن الإصابات في الجيش الروسي أعلى ب20 مرة مما كان عليه قبل الحرب. أكثر من مليون مصاب منذ عام 2016، تجاوز عدد المصابين بفيروس الإيدز في روسيا حاجز المليون شخص، أي أكثر من 1% من السكان وما بين 1.5 و2% من الطبقة العاملة. ويرى خبراء أن الوباء كان يمكن السيطرة عليه عبر تطبيق استراتيجيات علاجية فعالة وزيادة ميزانية الصحة، إلا أن الخيارات السياسية والاعتماد على أساليب تقليدية غير فعالة عرقلت هذه الجهود، فيما أدى استمرار الحرب إلى تفاقم الوضع بشكل ينذر بعواقب صحية واقتصادية خطيرة. سلوكيات خطيرة وتجاهل للقوانين لا يعود الارتفاع الحاد في أعداد الإصابات إلى العدوى في ميادين القتال فقط، بل أيضا إلى انتشار سلوكيات محفوفة بالمخاطر بين الجنود، أبرزها العلاقات الجنسية غير المحمية، والتعامل مع المومسات، وتبادل الإبر بين متعاطي المخدرات. وقد ساهمت ظروف الحرب القاسية، وما رافقها من ضغط نفسي وإحباط، في زيادة هذه الممارسات. ورغم أن القانون الروسي يمنع المصابين بالإيدز من الخدمة العسكرية، فإن تطبيقه يقتصر على مراحل التجنيد الأولى. أما على جبهات القتال، فإن النقص الحاد في عدد الجنود يدفع القادة العسكريين إلى تجاهل القوانين والإبقاء على الجنود المصابين مهما كانت حالتهم الصحية. انتشار أوسع خارج المؤسسة العسكرية لا يقتصر انتشار الفيروس على الجيش الروسي. فالفحص الإجباري للإيدز يطبق فقط على فئات محدودة مثل العسكريين، والحوامل، والمهاجرين، وبعض المهن الحساسة، مما يجعل البيانات المتوفرة عن الإصابات الجديدة غير مكتملة. وفي 14 منطقة روسية، تجاوزت نسبة النساء الحوامل المصابات بالإيدز 1%، وهو ما يعتبره خبراء الصحة مؤشرا على دخول البلاد مرحلة الوباء العام، وفق معايير منظمة الصحة العالمية. أزمة في المناطق الأوكرانية المحتلة في أواخر 2023، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن تفاقم انتشار الإيدز في أوكرانيا، خاصة في المناطق الشرقية مثل خاركيف، حيث ارتفع عدد الحالات من 88 في النصف الأول من 2021 إلى 167 في الفترة نفسها من 2023. كما زاد عدد المصابين في عموم أوكرانيا من 150 ألفا في جانفي 2022 إلى 158 ألفا في جويلية 2023، في حين انخفض عدد من يتلقون العلاج من 130,200 إلى 121,200. وفي الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا، يكاد ينعدم الفحص والعلاج، وسط اتهامات لجنود روس، بينهم مجندون من السجون، بالتسبب في موجات عدوى جديدة بسبب العنف الجنسي، والدعارة القسرية، ونقص الأدوية. روسيا ضمن الدول الأكثر إصابة منذ 2022، أصبحت روسيا ضمن الدول الخمس الأولى عالميا في عدد الإصابات الجديدة، بنسبة 3.9% من إجمالي 1.5 مليون حالة مسجلة عالميا، متقدمة على دول ذات كثافة سكانية أكبر مثل جنوب أفريقيا والموزمبيق ونيجيريا والهند. ورغم ذلك، ترفض وزارة الصحة الروسية الاعتراف بأرقام الأممالمتحدة وتصفها ب"الدعاية المضللة"، في وقت تسجل فيه البلاد ما بين 50 و100 ألف إصابة جديدة سنويا، بينما تنجح معظم دول العالم في تقليص معدلات الإصابة. سياسات صحية مثيرة للجدل تمنع روسيا برامج العلاج ببدائل المخدرات مثل الميتادون، رغم نجاحها عالميا في الحد من انتشار العدوى بين متعاطي المخدرات. كما ترفض إدراج التثقيف الجنسي في المناهج الدراسية، مما يحرم الأجيال من الوعي بأساليب الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا. ويحذر الخبراء من أن آلاف المصابين خلال الحرب سيحتاجون إلى علاج مدى الحياة، ما سيشكل عبئا هائلا على ميزانية الدولة، ويضغط على النظام الصحي، فضلا عن التداعيات الاقتصادية والديموغرافية التي قد تستمر لعقود. تعليقات