يشهد الاقتصاد الفرنسي في عام 2025 إحدى أكثر مراحله حساسية منذ أزمة 2015، إذ لن يتجاوز معدل النمو المتوقع 0,6% مقابل 0,8% في 2024، وهو من أدنى المستويات في منطقة اليورو. هذا التباطؤ، البعيد عن كونه ظرفياً، يعكس هشاشات هيكلية تشمل فقدان القدرة التنافسية، وضعف الإنتاجية، وفاعلية محدودة لخطط الإنعاش. بحلول منتصف 2025، بلغت الديون الإجمالية لفرنسا – العامة والخاصة – 7,65 تريليون يورو، أي ما يزيد عن ضعفي الناتج المحلي الإجمالي. الديون العامة: 3.346 مليار يورو (115% من الناتج المحلي)، بزيادة قدرها 900 مليار منذ 2020. الفوائد السنوية بلغت بالفعل 62 مليار يورو، وقد تقترب من 100 مليار بحلول 2029 ما لم تُعتمد إصلاحات. الديون الخاصة: نحو 4.300 مليار يورو (150% من الناتج المحلي)، مدفوعة بارتفاع مديونية الشركات والأسر. بين 2010 و2025، كان عدّاد الدين الفرنسي يدور بوتيرة 6.500 يورو في الثانية، أي 562 مليوناً يومياً. وإذا استمرت الوتيرة، فسوف يصل الإجمالي إلى نحو 8,78 تريليون يورو في 2029، ما يعادل 289% من الناتج المحلي. ضغط ضريبي قياسي وتراجع الطبقة الوسطى في 2024، بلغت الإيرادات الضريبية 42,8% من الناتج المحلي (1.240 مليار يورو)، وهو من أعلى المعدلات في العالم. وتوزعت على النحو التالي: * الضريبة على القيمة المضافة (20%): 190 مليار يورو * ضريبة الدخل: 97 مليار يورو * ضريبة الشركات (25%): 67,4 مليار يورو * الضرائب العقارية: 29,4 مليار يورو تُسهم الشركات بنسبة 87% من الإيرادات، لكن الدولة تخسر سنوياً 84 مليار يورو في الإعفاءات و80 إلى 100 مليار يورو بسبب التهرب الضريبي. وضع يخنق الاستهلاك، ويضعف الطبقة الوسطى، ويقلل جاذبية الاقتصاد. القطاع الخاص، الذي يمثل 84% من الناتج المحلي، في حالة ركود منذ 11 شهراً. فقد هبط مؤشر مديري المشتريات المركب إلى 48,6 نقطة في جويلية 2025 (تحت عتبة النمو). * الخدمات: تمثل 72,3% من الناتج المحلي، لكنها تشهد تباطؤاً واضحاً. * الصناعة: تراجعت من 18,47% إلى 17,5% من الناتج المحلي خلال عام واحد، نتيجة ارتفاع التكاليف وانخفاض الاستثمارات. في 2024، كان 21% من الفرنسيين فوق سن 65 عاماً، وستصل النسبة إلى 25% بحلول 2040. ومع معدل ولادة يبلغ 1,68 طفل لكل امرأة، لا يضمن تجدد الأجيال. سجل نظام التقاعد عجزاً بقيمة 13 مليار يورو في 2023، وقد يتجاوز 20 ملياراً في 2030. في الوقت نفسه، يغادر 50 إلى 60 ألف شاب متخرج البلاد سنوياً. عام 2023 شهد أكثر من 12 ألف مظاهرة (+18% مقارنة ب 2022). وفي جويلية 2025، قال 67% من المستجوبين إنهم لا يثقون بالحكومة لتحسين أوضاعهم، وأعرب 58% عن تشاؤمهم بشأن المستقبل الاقتصادي. سياسياً، يواجه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو برلماناً منقسماً ومعارضة لخطة تقشف بقيمة 43,8 مليار يورو لخفض العجز إلى 4,6% بحلول 2026. تمتلك فرنسا 56 مفاعلاً تنتج أكثر من 70% من الكهرباء محلياً، لكنها تعتمد بنسبة 100% على استيراد النفط والفحم، وبنسبة 50% على الغاز. ويبلغ معدل الاكتفاء الذاتي من الطاقة إجمالاً 44%، مع حصة لا تتجاوز 19,2% للطاقة المتجددة في الاستهلاك النهائي. تراجع النفوذ على الساحة الدولية المكانة الجيوسياسية لفرنسا تتآكل: * في أوروبا، ترى 25% فقط من العواصم أنها مؤهلة لدور قيادي. * في إفريقيا، انخفضت حصتها السوقية من 11% عام 2000 إلى 5,5% عام 2017. * صادرات السلاح تراجعت بنسبة 22% خلال أربع سنوات. * الوجود العسكري في الساحل تراجع من 5.100 جندي عام 2020 إلى أقل من 2.000 في 2025، تاركاً المجال لروسيا والصين وتركيا. بين الركود الاقتصادي، والديون الضخمة، والتوترات الاجتماعية، وفقدان النفوذ الخارجي، تدخل فرنسا عام 2025 عند مفترق طرق استراتيجي. سيعتمد التعافي على إصلاحات هيكلية تحفز الإنتاج، وتعيد التوازن للمالية العامة، وتستعيد ثقة المواطنين... مع تجنب المساس بالنموذج الاجتماعي الذي شكّل على مدى عقود مصدر قوتها. تعليقات