توجد العديد من التعريفات للتمويل الصغير، غير أنّ أقربها إلى الدقة التعريف هو ذاك الذي يعتمده البنك الدولي والذي ينص على أنّه يتمثل في تزويد فئات معينة بتمويلات لمساعدتها على الاندماج في أنشطة إنتاجية. وتعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التمويل الصغير بكونه يهدف إلى تمويل المشاريع الصغيرة، التي يقوم بها أشخاص يتطلعون إلى إنشاء موارد رزق خاصة بهم وغالبًا ما يكون ذلك بسبب احتياجهم إلى آفاق مهنية جديدة ولصعوبة وصولهم إلى المصادر التقليدية للتمويل. استنادا الى هذه المنهجية، حقق قطاع التمويل الصغير في تونس مؤشرات ايجابية خلال الفترة الاخيرة حيث تؤكد البيانات المتاحة ان مؤسسات التمويل الصغير منحت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، 113 ألف و583 قرضا، بينما ارتفع قائم القروض للتمويل الصغير بقيمة 33.7 مليون دينار في الوقت الذي تحصل فيه اكثر من 804.8 آلاف تونسي تحصّلوا على قرض من مؤسسات التمويل الصغير بقائم قروض في القطاع بقيمة 2596 مليون دينار. مؤشرات ايجابية في نفس السياق، تبين المعطيات بلوغ قيمة القروض التي منحتها مؤسسات التمويل الصغير خلال الثلاثي الأول من هذه السنة 564.9 مليون دينار مقابل 511.7 مليون دينار في الثلاثي الأول من 2024 علما ان معدل القرض المتحصل عليه من مؤسسات التمويل الصغير يناهز 4974 دينارا في أواخر مارس من هذه السنة مقابل معدل قيمة ب4646 دينارا في نفس الفترة من السنة الفارطة. وحصل حوالي 110 آلاف شخص طبيعي خلال الثلاثي الأول من سنة 2025 على قرض وذلك في اطار انتفاع 13.3بالمائة من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين لأول مرة على تمويل صغير. عموما ورغم هذه الارقام الايجابية، فان مؤسسات التمويل الصغير، تجابه عدة تحديات كونها ممنوعة من جمع الودائع والنفاذ إلى إعادة التمويل من البنك المركزي. ونتيجة لذلك، تجد هذه المؤسسات صعوبة في إعادة التمويل بكلفة منخفضة، مما يؤثر على قدرتها على تقديم قروض بشروط ميسرة. تحديات اعادة التمويل ويقع الاستناد، حاليا، في تمويل هذه المؤسسات، في غالبيته، على القروض، التّي تمنحها البنوك المحلية، وعلى خطوط القروض الخارجية. ولتجاوز نقص التمويل، ما فتأت هذه المؤسسات، تتجه إلى سوق الرقاع المحلي. ويعود أوّل إصدار رقاع، دون اللجوء إلى طلب عمومي للادخار، من قبل مؤسسة تمويل صغير في تونس، إلى سنة 2017. وخلال السنتين الماضيتين، أظهرت مؤسّسات التمويل الصغير، إقبالا متزايدا، على إصدار الرقاع، وأصبح مصدر تمويل بإصدارات بقيمة 116 مليون دينار (أي 15 بالمائة من إجمالي إصدارات سوق الرقاع للشركات)، في 2023، وحوالي 123 مليون دينار (أي 27 بالمائة من إجمالي إصدارات سوق الرقاع الخاص) في عام 2024. من ناحية، تقوم جمعيات القروض الصغرى بإعادة التمويل عبر البنك التونسي للتضامن بأسعار فائدة تفضيلية وبشروط مواتية نسبياً. ورغم هذه التحديات، فان مجال التمويل الصغير يستفيد من حركية مدفوعة بإدماج التكنولوجيات الحديثة على غرار البنك الجوّال ومنصّات التمويل التشاركي، التي يمكن أن تحسّن من إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية، لا سيما في المناطق الريفية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إقامة شراكات مع المؤسسات الخاصّة ومبادرات التمويل الشامل يمكن أن تساعد على تنويع مصادر التمويل لمؤسسات التمويل الصغير في تونس. وعلى المديين المتوسط والبعيد، يمكن للتمويل الصغير أن يصبح رافعة استراتيجية في تحقيق التحوّل الاقتصادي، عبر دعم الإدماج المالي للفئات المهمّشة وعبر دعم استقرار النسيج الاقتصادي في مواجهة الصدمات الخارجية.