يواصل الذهب سنة استثنائية في الأسواق المالية. فمنذ 1 جانفي 2025، ارتفع المعدن النفيس بنسبة 29 %، في أداء يجعله يتصدر قائمة الأصول العالمية متقدماً على مؤشرات البورصة، والسندات، وعملات مجموعة العشر، وحتى البيتكوين، وفقاً لمذكرة صادرة عن بنك UBS. ويرى المحللون أن الذهب قد يتجاوز الحاجز الرمزي البالغ 4.000 دولار للأونصة في 2026، بعد أن تخطى بالفعل مستوى 3.000 دولار في مارس وبلغ 3.500 دولار يوم 22 أفريل.
اندفاع نحو الملاذ الآمن
ترجع القفزة القوية للذهب في النصف الأول من السنة إلى تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي المرتبطة بالسياسة التجارية لدونالد ترامب والتوترات الجيوسياسية. فقد دفعت الرسوم الجمركية الأمريكية، التي وُصفت بغير المتوقعة، المستثمرين إلى الابتعاد عن الأسهم والتوجه نحو أصول أكثر أماناً.
ويضاف إلى ذلك تراجع قيمة الدولار، حيث هبط مؤشر DXY بنسبة 10 % منذ جانفي، ما جعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين.
كما يشكل إقبال البنوك المركزية عاملاً آخر طويل المدى. فبحسب مسح أجراه المجلس العالمي للذهب، تخطط 43 % من البنوك المركزية لزيادة احتياطياتها، فيما تتوقع 95 % منها ارتفاعاً عاماً في المخزونات العالمية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة. وفي 2024 بلغت المشتريات 1.045 طن، ومن المرتقب أن تصل إلى حوالي 900 طن في 2025.
توقعات البنوك الكبرى
يتوقع UBS أن يبلغ سعر الأونصة 3.500 دولار مع نهاية 2025، و3.600 دولار في مارس 2026، ثم 3.700 دولار في جوان، مدفوعاً باستمرار التضخم في الولاياتالمتحدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع جديد للدولار.
أما JPMorgan فتبدو أكثر تفاؤلاً، حيث ترجّح وصول سعر الأونصة إلى 3.675 دولار في الربع الرابع من 2025 قبل أن يتجاوز 4.000 دولار في منتصف 2026. وتعتمد توقعات البنك الأمريكي على ارتفاع الطلب على صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETF) نتيجة خفض محتمل لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
من جهتها، تتبنى Goldman Sachs تقديرات مماثلة، متوقعة 3.700 دولار للأونصة نهاية 2025 و4.000 دولار في 2026، مع التأكيد على أن الطلب القوي من البنوك المركزية الآسيوية سيظل ركناً أساسياً في السوق لسنوات مقبلة.
ديناميكية تغذيها سياسة الفيدرالي
تشكل السياسة النقدية الأمريكية عاملاً أساسياً آخر. فقد فتح رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الباب أمام خفض أسعار الفائدة اعتباراً من سبتمبر. ووفق أداة Fedwatch التابعة ل CME Group، يمنح المستثمرون احتمالاً بنسبة 91,2 % لخفض بمقدار 0,25 نقطة مئوية، مقارنة بأقل من 70 % قبل خطابه في جاكسون هول.
تاريخياً، يسهم انخفاض أسعار الفائدة في تعزيز جاذبية الذهب، إذ لا يدرّ عائداً لكنه يصبح أكثر تنافسية مقارنة بالأسهم والسندات.
وهكذا، فإن صعود الذهب في 2025 يجسد الدور المحوري لهذا المعدن في بيئة عالمية غير مستقرة، تطغى عليها التوترات التجارية، وتقلبات الأسواق، والتضخم المستمر. وبينما سيعتمد المسار المستقبلي على وتيرة خفض الفائدة ومسار الدولار، يتفق المحللون على أن الاتجاه الصعودي سيظل قائماً.
وبالنسبة للمستثمرين، يؤكد الذهب مجدداً مكانته كملاذ آمن بامتياز، مرشحاً لتحقيق أرقام قياسية جديدة في الأشهر المقبلة.