احتضنت قاعة الريو بالعاصمة اليوم الخميس عرض المسرحية المغربية "هم" للمخرجة أسماء الهوري، وذلك ضمن فعاليات المسابقة الرسمية للدورة 26 من أيام قرطاج المسرحية، التي انطلقت يوم 22 نوفمبر وتتواصل إلى غاية 29 نوفمبر 2025. هذه المسرحية التي كتب نصها عبد الله زريقة، هي من أداء كل من زينب علجي ومحمد شهير وهاجر الشركي وعبد الرحيم التميمي، بمشاركة عدد من العازفين وهم عبد العالي الروداني وأسامة بورواين ورشيد البرومي. وتتناول المسرحية صراع الإنسان مع ذاته، ولحظات الضعف والقوة التي يعيشها والرغبة في الهروب أحيانا من نفسه ومحيطه، فضلا عن القدرة على الكتابة والتعبير عن الذات في السياقات النفسية الحساسة. تنطلق المسرحية من مشهد يعتمد تقنية "خيال الظل" حيث لا يرى المشاهد سوى ظلال الممثلين تتحرك بنسق سريع خلف الستارة التي تتوسط المسرح ، مع دوي أصوات صاخبة تعكس حالة حرب، ومن خلال الباب الذي يتوسط الستارة، يهرب أربعة ممثلين حاملين كراسيهم وطاولة، يجسد المشهد حالة نفسية مضطربة فالشخصيات التي تتصارع من خلف الستار ينتهي بها الأمر هاربة وتوصد الباب حتى تنعزل بنفسها. تدخل الشخصيات الأربعة إلى المسرح حاملين كراسيهم، التي قد ترمز للسلطة في هذا السياق، بملابس رسمية تحيل على عمل إداري أو موقع صنع قرار ما، ثم يشرعون في نزع الثياب التي توحي بالمكانة الاجتماعية ورميها في كيس قمامة وكأنهم يتخلصون من كل ما يحملونه من صفات اجتماعية ومكانة بما لها من تبعات والتزامات ويهربون من الواقع إلى الانعزال. أربعة شخصيات دون أسماء ولكن خطاباتهم تتكامل وتتكرر، وهي من نقاط قوة العمل الذي يقوم على التجانس في الحركة والخطاب بين الشخصيات وكأن كل واحد منهم يقف أمام مرآة تعيد تجسيد كلماته وحركته بأدق تفاصيلها. اعتمد الممثلون في العرض على اللغة العربية الفصحى مع نص يحمل خطابا فلسفيا عميقا يبين الصراع الداخلي الذي تعيشه كل شخصية وكيف يكون المرء أحيانا غير قادر على فهم نفسه وحالته ولا يستطيع حتى التعبير عن مكامن روحه، وينزع نحو التحرر من وزر كل ماهو اجتماعي حضاري، بما في ذلك اسمه وثيابه، تلك اللحظات التي يختنق فيها بكلماته ولا يستطيع إخراجها وتخونه العبارات فيفقد قدرته على الصراخ وعلى الكتابة ولا يبقى له من أشكال التعبير سوى التخبط لإبراز القلق النفسي. مزجت المسرحية بين الحوارات والغناء واللوحات الراقصة، فطغت على خشبة المسرح حالة من الفوضى والحركة المتواصلة والأصوات العذبة فقد تميزت الفنانة هاجر الشركي بصوتها العذب الذي أثر في الجمهور، فعلا صوت التصفيق مع كل مقطع تؤديه، ومع كل لوحة كوريغرافية جمعت هذا الرباعي المُتقد بالحياة والحركة. وفي لحظة فنية طغت فيها عذوبة الموسيقى على المسرح، كشف الضوء الخافت خلف الستار عن ثلاثة عازفين أمنوا، طيلة العرض، مقطوعات فنية راوحت بين الصخب أثناء التعبير عن سُخط الشخصيات وغضبهم، وبين الألحان الهادئة العذبة التي رافقت حالات التفكير الهادئ للمثلين. ومن الرسائل المفاتيح التي تم توجيهها من خلال خطابات الممثلين في العرض، مسألة التلوث الذي طغى على الكرة الأرضية وهو من القضايا الحارقة المطروحة اليوم والتي تُهدد الوجود البشري، حتى أن أحد الشخصيات قال "تحولت الكرة الأرضية إلى مزبلة"، ثم "أشك في أن تكون هناك نهاية سعيدة لهذا العالم". ينتهي العمل ببصيص أمل ينعبث من ضوء القنديل الذي يبرز حين يُفتح الباب المغلق طيلة العرض، وكأنها دعوة للمقاومة والإقبال على الحياة رغم كل الصراعات الداخلية والتحديات التي يواجهها الإنسان. تابعونا على ڤوڤل للأخبار