عاقبت الأسواق المالية حالة عدم الاستقرار السياسي في فرنسا. فقد بلغ عائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات يوم الثلاثاء 9 سبتمبر نسبة 3,48%، متجاوزًا نظيره الإيطالي الذي استقر عند 3,47%. ويُعد ذلك وضعًا غير مسبوق، إذ طالما اعتُبرت إيطاليا الحلقة الأضعف في منطقة اليورو من حيث الدين العام.
رد فعل فوري للأسواق
عند الإغلاق، تراجع العائد الفرنسي قليلًا ليصل إلى 3,41%، في حين ارتفع مؤشر «كاك 40» بنسبة 0,2% في باريس. لكن هذا الاختراق الرمزي يعكس القلق المتزايد لدى المستثمرين حيال التدهور المالي والمناخ السياسي.
سقوط حكومة فرانسوا بايرو، التي أُطيح بها إثر تصويت بحجب الثقة بعد تسعة أشهر فقط من تشكيلها، شكّل عاملًا محفّزًا. وكان رئيس الوزراء السابق قد بادر بنفسه إلى تنظيم هذا التصويت على أمل الخروج من أزمة طويلة الأمد مرتبطة بميزانية 2026، التي تضمنت اقتطاعات بقيمة 44 مليار يورو بهدف إصلاح المالية العامة.
دين قياسي وعجز خارج المعايير
العبء المالي الفرنسي يثير مخاوف متزايدة. فقد بلغ الدين العام 3,3 تريليونات يورو، أي ما يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى يتجاوز بكثير الحد الذي تفرضه قواعد الاتحاد الأوروبي (60%). أما العجز، المقدر ب5,4% من الناتج في 2025، فكان يفترض أن ينخفض إلى 4,6% في 2026، ثم إلى أقل من 3% بحلول 2029.
غير أن الأزمة السياسية الحالية تهدد هذا المسار، خصوصًا مع الاستحقاق الحاسم يوم الجمعة المقبل حين ستصدر وكالة «فيتش» تقييمها الجديد للتصنيف السيادي لفرنسا (-AA مع نظرة سلبية). وأي خفض محتمل سيعني اضطرار باريس لدفع فوائد أعلى لتمويل دينها، مما يزيد الضغط على المالية العمومية.
تأثير الدومينو الأوروبي
تجاوز العوائد الفرنسية مؤقتًا لمثيلاتها الإيطالية يسلط الضوء على مفارقة لافتة: فالبلد الذي اعتُبر طويلًا الركيزة المستقرة لمنطقة اليورو بات يثير شكوكًا أكبر من جاره الجنوبي. فرغم أن ديون روما تتجاوز 140% من الناتج، إلا أن مناخها السياسي الأكثر استقرارًا يمنح المستثمرين ثقة نسبية.
هذا التطور يعكس خطرًا أوسع: فالجمع بين عدم الاستقرار السياسي والدين العام المرتفع يهدد المصداقية المالية لثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وقد يضعف في الوقت نفسه السوق الأوروبية للسندات بأكملها.