هذا دليل إضافي، إن كان هناك من حاجة، على أن الولاياتالمتحدة قد تكون خسرت نهائيًا معركة إفريقيا أمام المنافس الأول، الصين. و لن يغيّر شيء من ذلك الجدل الدائر في البيت الأبيض حول المعادن والفلزات الإستراتيجية، فبكين في كوكب آخر ولها عقود من السبق على واشنطن. وبعد تراجعه في ملف الرسوم الجمركية، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهدّد هو الآخر بأن يُحشر في زاوية اللاعبين الصغار في القارة الإفريقية، تمامًا كما حصل مع جو بايدن. و مما يزيد الطين بلة بالنسبة للأمريكيين أن ترامب لم يحسّن صورته خلال القمة مع القادة الأفارقة، بل زادها قتامة بخطابه على منبر الأممالمتحدة حين تحدّث عن "جحيم الهجرة" وأثار حفيظة الأفارقة. أما الصين فهي تمارس فنون الدبلوماسية الاقتصادية بقبضة حازمة لكن في قفاز من حرير. و هذه الأمور لها وزن كبير في إفريقيا، يكاد يوازي أهمية الاقتصاد ذاته. الأرقام بين بلد شي جينبينغ وقارتنا ناطقة بنفسها: طفرة مذهلة في التجارة الثنائية بلغت 222,05 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، أي بزيادة 15,4% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، وفق بيانات نشرتها إدارة الجمارك الصينية العامة الاثنين الماضي. صادرات صينية متنامية كنا نعلم أن بكين استعادت شهية الاستثمار في القارة، إذ ضخت هذا العام وحده 39 مليار دولار في مختلف دول إفريقيا، وأكد حجم المبادلات التجارية هذا التوجه. الدافع الأكبر لهذه الطفرة هو الصادرات الصينية، إذ سرعان ما وجدت بكين بدائل بعد أن أغلق ترامب السوق الأمريكية بضرائب جمركية مشددة. فقد قفزت صادرات الصين نحو الشركاء الأفارقة بنسبة 24,7% بين 1 جانفي و31 أوت 2025، لتبلغ 140,79 مليار دولار. أما الواردات الصينية من القارة فقد حققت ارتفاعًا طفيفًا لم يتجاوز 2,3% خلال الفترة نفسها، ليستقر مجموعها عند 81,25 مليار دولار. ما يعني أن الأفارقة قادرون بل مطالبون ببذل المزيد لتقليص عجزهم التجاري مع العملاق الآسيوي. العجز التجاري تفاقم ليبلغ 59,55 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، و هو تقريبًا نفس حجم العجز المسجل خلال كامل عام 2024 (61,93 مليار دولار). ما يؤكد أن الاختلالات البنيوية في العلاقات التجارية الثنائية لا تزال قائمة. مواد أولية مقابل منتجات مصنّعة في التفاصيل، تتكوّن الواردات الصينية من إفريقيا أساسًا من المواد الأولية مثل النفط الخام والنحاس والكوبالت وخام الحديد. في المقابل، تصدّر بكين إلى القارة منتجات صناعية عالية القيمة المضافة، تشمل الآلات والمنتجات الإلكترونية والتكنولوجيات الخضراء. على سبيل المثال، استوردت الدول الإفريقية مجتمعة 15.032 ميغاواط (MW) من الألواح الشمسية الصينية بين 1 جويلية 2024 و30 جوان 2025، مقابل 9379 ميغاواط خلال الاثني عشر شهرًا السابقة، أي بزيادة قدرها 60%. رقم ضخم... ومربح جدًا، ربما أكثر مما ينبغي، للصينيين. إعفاءات جمركية واسعة ورغم ذلك تُبذل محاولات لتخفيف الخلل التجاري، حيث ألغت بكين الرسوم الجمركية على 98% من المنتجات المستوردة من 21 دولة إفريقية بينها إثيوبيا وغينيا وموزمبيق ورواندا والتوغو. كما أقرت منذ 1 ديسمبر 2024 إعفاءً جمركيًا كاملًا على وارداتها من البلدان الأقل نموًا (PMA) التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، وتشمل 33 دولة إفريقية. و كان الرئيس شي جينبينغ قد التزم بهذا التعهّد خلال المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC) المنعقد في داكار بالسنغال في نوفمبر 2021، وها هو يفي بوعده. و أكد حينها أن الهدف هو رفع إجمالي الواردات الصينية من إفريقيا إلى 100 مليار دولار سنويًا ابتداءً من 2022، ثم إلى 300 مليار دولار سنويًا في أفق 2035. الأيام القادمة ستكون الحكم... تعليقات