روى لي أحد الأصدقاء عندما كنا نناقش موضوع القيم والأخلاق والاحترام والانضباط انّه عندما كان يقضي بعضه مشاغله بصحبة زوجته اضطره الامر إلى الربوض أمام معهد ثانوي وبالقرب من مجموعة من التلاميذ. ولما عاد ليستقل سيارته من جديد أين بقيت زوجته في انتظاره طلبت منه هذه الاخيرة عدم التوقّف مستقبلا امام المؤسسات التربوية ان رغب في اصطحابها معه بسبب ما استمعت اليه من كلام بذيء يندى له الجبين ومن دون أي تمييز بين الاناث والذكور. وإن يبدو هذا المشهد استثنائيا او مفاجئا للبعض ممن لم يتعودوا عليه فقد أصبح سلوك عاديا ومتداول داخل مجتمعنا وخاصة عند الكثير من تلاميذنا وشبابنا بجنسيهما. المنظومة القيمية بين الاستهتار الداخلي والتأثير السلبي للعولمة؟ من الخطأ الاكتفاء بتبرير هذا الواقع بصراع الاجيال أو باستقالة الأولياء باعتبار ان القيم الاخلاق والانضباط هي مجرد صفات أو سلوك يمررها أو يفرضها الآباء على الأبناء. ومن الخطأ أيضا الاعتقاد في ان تلاشي المنظومة القيمية هو مرض فجائي أصاب مختلف فئات المجتمع ويكفي اعداد وصفة سحرية لمعالجته. فاليوم نرى ان مجتمعنا وبالإضافة الى انهيار منظوماتنا الأساسية المساهمة في البناء القويم لشخصية الفرد وهي التربية والتعليم والثقافة هو اليوم عرضة إلى كل الانتهاكات الفكرية والثقافية من داخل الحدود من خلال إنتاجاته المبتذلة وتنشيطه الركيك ومن خارجها من خلال الثقافات والقيم المستوردة بالتوازي مع استفحال العلل الجارفة الذي أصبحت تمثلها وسائل التواصل الاجتماعي والذي دفع بمركز ثقل معاني القيم وابعادها من مواقعها السليمة إلى مواقع الرداءة والبذاءة في مستوى السلوك وهي التي يراها خاصة بعض تلاميذ اليوم طريقا سريعة للوصول إلى النجاح. الارتقاء بأداء المنظومة القيمية ضرورة لا اختيار: الحلول؟ تدهور القيم في مستوى الوعي والممارسات هو من ضمن الظواهر الاجتماعية السلبية والتي يتطلب من المختصين تحليلها بصفة مجدية مع الابتعاد عن كل ما هو تفاسير ظاهرية والتعلُّل بدواعيها الشّكلية وعواملها السّطحية. وبالتّالي، يفترض للكشف عن أسبابها الحقية قصد الحد من فاعليتها الغوص في أعماقها قصد التعرّف على بواطن دوافعها والعوامل المؤدية لها. فالظاهرة ليست وليدة ذاتها وإنما تخضع لمجموعة من المُتجدّدات الفكرية والنفسية والثقافية. وهي بالتالي نتيجة وليست سبباً ويتطلب التعامل معها بشكل عمومي وبالطريقة ذاتها أي عبر الثقافات على عكس المرض الذي يتطلب علاجه في الاغلب الاستئصال او عقار بعينه. وان أصبح اليوم خطر هذه الظاهرة واقعا ملموسا يستهدف قيم ومقومات كياننا الاجتماعي كما وصف ذلك احمد شوقي عندما قال "انما الأمم الاخلاق ما بقيت … فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا" فان التعامل معها بالنجاعة المطلوبة يفرض علينا عدم الخلط بين السرعة والتسرع وبين العلاج الحيني واستئصال الداء وبين الخطاب الأكاديمي والعمل الميداني وبين الأسباب الحقيقية ونتائجها والتي تتحول بدورها في اغلب الحالات الى أسباب إضافية. فالأمر يستوجب تشريك الخبراء والمختصين وأصحاب قرار مع كل الأطراف المسؤولة ومن ضمنهم الاولياء صياغة وتنفيذا ومتابعة قصد وضعة الاستراتيجية الناجعة بأهداف واضحة ومرحلية انجاز واولويات مدروسة مع توفير كل المتطلبات الضرورية، على ان يتم ادماج هذه الاستراتيجية صلب مشروع اصلاح المنظومة التربوية. فتراجع القيم وتدهور الاخلاق يندرج في خانة تراجع الالتزام بقواعد الانضباط وهو مظهر من مظاهر العنف اللفظي. ويبقى العنف عنوان من العناوين البارزة لانهيار منظومتنا التربوية والتعليمية. اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات