كارثة عالمية أخرى تلوح في الأفق، فيما لا تزال الإنسانية تتخبّط في الحرب التي فرضتها عليها روسيا؟ في كلّ الأحوال، يبدو أنّ رئيس تايوان الاستقلالي، الجريء لاي تشينغ-ته، يستعدّ بجدية لهذا السيناريو. ما قيل قد قيل، حتى لو لم يكن ذلك دليلًا دامغًا على قدرة تايوان على مواجهة ثاني أقوى دولة في العالم، الصين، التي بات تقدمها العسكري يثير مخاوف حتى القوة الأولى عالميًا، أمريكا. تايوان أعلنت رسميًا أنها ستفعّل كل الآليات اللازمة ل«ردع التهديدات الصينية بفاعلية بحلول عام 2027». و منذ أن تولّى لاي تشينغ-ته رئاسة البلاد في جانفي 2024، ضاعف من تصريحاته ليؤكد أنه لا يرتجف أمام بكين. من الواضح أنه يريد كسب الحرب النفسية، وهو محقّ في ذلك بالنظر إلى الاستعراضات العسكرية المتكرّرة التي تنفذها القوات الصينية حول الجزيرة. تحرّكات تهدف إلى التخويف حتى لا ينتهي الأمر بتايوان بين فكي شي جينبينغ. لكن هل يكفي ذلك لإرهاب الرئيس الصيني المعروف ببروده؟ الأمر غير محسوم. ففي عهد جو بايدن، تعهّد الرئيس الأمريكي السابق علنًا بالدفاع عسكريًا عن تايوان في حال حصول غزو. لا أحد يعلم القيمة الحقيقية لذلك التعهّد، ولا ما إذا كانت أمريكا ستُقدم فعليًا على مواجهة الصين. ما هو مؤكد أن خلفه أقلّ جزمًا بكثير. دونالد ترامب خاض مواجهة قوية مع شي جينبينغ خلال الحرب التجارية... وانتهى بخسارة مدوية؛ ومن الواضح أنه لا يرغب في المضي أبعد من ذلك. يكفي النظر إلى موقفه خلال لقائه الأخير مع نظيره الصيني، أواخر أكتوبر 2025 في كوريا الجنوبية. بدا الرئيس الأمريكي يومها في وضع لا يُحسد عليه، ولم يُرَ يومًا بهذه الدرجة من المجاملة المفرطة والتودّد أمام أي زعيم. وعندما يتحادثان هاتفيًا، لا يتطرّق ترامب إلى موضوع تايوان إلا بإصرار من الصحفيين الأمريكيين، وحتى حين يفعل، يكتفي بعبارات مقتضبة ومبهمة، لا تشبه إطلاقًا لهجته الحادة المعهودة تجاه الأوروبيين أو القادة العرب. و لم يكد يمرّ يوم الاثنين الماضي حتى أجرى مكالمة جديدة مع شي، الذي لم يتردد في إعادة التأكيد على «الخطوط الحمراء» بشأن تايوان. ترامب لن يتردد طويلًا قبل التضحية ب«الجزيرة المتمرّدة» مقابل المعادن النادرة وغيرها من المصالح الاقتصادية التي يُمسك الصينيون بزمامها. و تايوان تدرك أنها لا تزن كثيرًا أمام إغراء المكاسب، وستتصرّف بناءً على ذلك. الرئيس لاي تشينغ-ته يعلن أن حكومته سترصد 40 مليار دولار (34,5 مليار يورو) لنفقات دفاعية إضافية. الدبلوماسية الصينية سارعت إلى الردّ هذا الأربعاء 26 نوفمبر، مؤكدة أن «محاولات (تايوان) مقاومة الوحدة والسعي إلى الاستقلال عبر الوسائل العسكرية لن تنجح أبدًا». رسالة واضحة لا لبس فيها. و قد ازدادت ثقة لاي تشينغ-ته عقب أول صفقة أمريكية لبيع معدات عسكرية لتايوان منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. الصفقة، التي صادقت عليها واشنطن منتصف نوفمبر، تقدَّر ب 330 مليون دولار (285 مليون يورو). إلى ذلك، تستعرض تايوان قوّتها من خلال برنامج تطوير «تي-دوم»، وهو نظام دفاع جوي متعدد المكوّنات، يهدف إلى «الاقتراب من رؤية تايوان الحصينة، المحمية بالابتكار والتكنولوجيا (...) رسالتي واضحة: التزام تايوان بالسلام والاستقرار لا يتزعزع»، وفق تصريحات لاي تشينغ-ته. لكن الأمر أسهل قولًا من فعل، ليس فقط بسبب الخصم الخارجي المرعب – بكين – بل أيضًا بسبب «أعداء الداخل» الموالين لشي جينبينغ. فحزب الكومينتانغ المعارض، الذي لا يخفي ولاءه للصين، قد نجح في اختراق البرلمان التايواني... هذا الحزب، حليف «حزب الشعب»، يمسك بزمام المالية العمومية. زعيمة الكومينتانغ، تشينغ لي-وون، المنتخبة حديثًا، تعرقل طموحات المعسكر الرئاسي. وقد جادلت هذا الأربعاء بأن تايوان «لا تملك كل هذا المال»، وأن الرئيس «يلعب بالنار» وقد يشعل «برميل البارود» في المنطقة. ولا تخلو تصريحاتها من صحة. لكن، بعيدًا عن الخطابات الرنّانة، ما الذي تبقى أمام الجزيرة لتفادي الالتهام؟ هونغ كونغ أيضًا رفعت شعار «الخطر على الديمقراطية» لاستنفار الغرب، لكنها ابتُلعت في نهاية الأمر من قبل التنين الصيني، والعالم تجاوز الأمر سريعًا. التصعيد العسكري هو الطريق الوحيد المتبقّي أمام تايوان... وإن يكن طريقًا ضيّقًا للغاية. اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات