يبدو أن الديبلوماسية التونسية منذ سنوات الاستقلال لم تتغير رغم التغيرات الجغراسياسية التي شهدتها المنطقة العربية على النطاق القريب، والدولية على نطاق أوسع، حيث إختارت النأي بنفسها عن كل القضايا الإقليمية من جهة والتحالف مع "الكل"، الفاعل والمفعول به معَا وهو ما يتمظهر بشكل جلي في الخيارات السياسية لتونس تجاه عدة قضايا طفت بعد الحراك العربي منذ 2011. إن أساس التعامل والمعادلة التي تبني عليها تونس موقفها من التداعيات الإقليمية والدولية يمر عبر التعامل من الكل وعدم إقصاء أي طرف فاعل سواء أن كان متضررا أم قائما بالفعل وهذا ما يظهر بوضوح في العلاقات التونسية السعودية والعلاقة بين تونس والدولة السورية . ومشاركة تونس في المناورات العسكرية الأكبر عربيا حسب مزاعم السعودية والتكتم الإعلامي للأجهزة الرسمية المسؤولة عن هذه المشاركة يظهر بكل وضوح خشية وتردد أصحاب القرار في تونس من ردة الفعل الشعبية عن مثل هذه المشاركات في حلف جُعل له هدف إيقاف تحرير التراب السوري من الجماعات المسلحة على عكس ما تردده الكرنفالات الإعلامية للتحالف الإسلامي .. الناطق الرسمي لوزارة الدفاع يقول إن تونس ستشارك بملاحظين يراقبون التمارين العسكرية بهدف تمكينهم من المهارات التي يعرضها مثلا الجيش الصومالي والقطري "المشهود له عالميا" بالخبرة . متناقضات عدة تحملها هذه المشاركة التي لن تدرك بها تونس موقعها إقليميا وعربيا خاصة مع عدم مشاركة الجزائر الحليف الإقليمي الأول لتونس في علاقة بتداعيات الملف الليبي وهذا ما سيقحم السياسة الخارجية لتونس في اللاتموقع جغرافيا وسياسيا . الجزائر "الشقيق" الحغرافي لتونس رفض المشاركة في حلف السعودية ومناوراته العسكرية رغم تطابق المواقف بين تونسوالجزائر بخصوص عدة قضايا إقليمية لعل أبرزها رفض التدخل العسكري في ليبيا. المشهد في سوريا نقطة الالتقاء الأولى لتباين المصالح الإقليمية للحلفين الشرقي والغربي بدأ بالتشكل خاصة بعد استدراك الجيش السوري لمناطق لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن الحدود التركية وفي هذه المسألة بالذات ستجد القيادة التونسية نفسها أمام خيارين إما إقحامها جرا لمعركة سياسية وعسكرية هي في غنى عنها أو التعامل مع نظام فرض نفسه وقبلت هي نفسها إعادة العلاقات معه وهو مالا يرضي الطرف المقابل على الإطلاق . لا يمكن لأحد أن ينكر سعي الدبلوماسية التونسية منذ صعود حزب نداء تونس إلى السلطة غداة الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى إعادة أو ربما إصلاح خطأ الترويكا الحاكمة بهرولتها نحو قطع العلاقات مع سوريا واستضافتها لمؤتمر أصدقاء سوريا وهذا ما بدا واضحا عند إعلان الخارجية التونسية عبر القائم بشؤونها في ذلك الوقت الطيب البكوش فتح قنصلية لتونس بالعاصمة دمشق الى جانب إمكانية عودة السفير السوري إلى تونس. مساع اعتبرها الجانب السوري إيجابية لكنها لن ترضي في المقابل الحلف الذي تشاركه تونس المناورة الأخيرة، وهذا ما نتج عنه تغيير وزير الخارجية الطيب البكوش في التحوير الوزاري الأخير، ربما بضغط من حركة النهضة حسب ما يؤكده محللون. ولذلك فان موقف تونس مثلا من الأزمة الإيرانية السعودية لم ينحز لصالح الدولة التي أهدت تونس 48 من الطائرات المقاتلة غداة زيارة الرئيس السبسي إلى السعودية في إل 22 و23 من شهر ديسمبر الماضي بل وقف عند التنديد بالاعتداء على السفارة وضرورة التوصل إلى حل سياسي في حين قطعت عدة دول أخرى تدور في فلك محور السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران. لذلك يمكن القول بأن تونس تخوض معركة تحالفات مع "الكل" في ظل جغرافيا سياسية تميزت بديبلوماسيتها المتحركة وغير الثابتة، لذلك أصبح من الواجب على القيادة التونسية اليوم توضيح "خارطة الطريق" خاصة في ملف الخارجية والموقف التونسي، الذي بقي الى حد اليوم بلا "هوية"، والذي ستكون له تداعيات غير محتملة على مستوى "سوق" التحالفات الدوليّة.