القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    أخبار مستقبل قابس...عزم على ايقاف نزيف النقاط    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    توقّف مؤقت للخدمات    محرز الغنوشي:''الليلة القادمة عنوانها النسمات الشرقية المنعشة''    مع الشروق : العربدة الصهيونية تحت جناح الحماية الأمريكية    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ عقوبة ثقيلة ضد ماهر الكنزاري    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    بنزرت: مداهمة ورشة عشوائية لصنع "السلامي" وحجز كميات من اللحوم    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    الترجي الجرجيسي ينتدب الظهير الأيمن جاسر العيفي والمدافع المحوري محمد سيسوكو    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    عاجل/ غزّة: جيش الاحتلال يهدّد باستخدام "قوة غير مسبوقة" ويدعو إلى إخلاء المدينة    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    أريانة: عملية سطو مسلح على مكتب لصرف العملة ببرج الوزير    سطو على فرع بنكي ببرج الوزير اريانة    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    دعوة للترشح لصالون "سي فود إكسبو 2026" المبرمج من 21 إلى 23 أفريل 2026 ببرشلونة    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل- قريبا : تركيز اختصاص العلاج بالأوكسيجين المضغوط بولايتي مدنين وسوسة    عاجل/ مقتل أكثر من 75 مدنيا في قصف لمسجد بهذه المنطقة..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قَطْعُ العَلاقاتِ التونسية - السورية واستحقاقاتُ إعادتها
نشر في حقائق أون لاين يوم 03 - 05 - 2015

أن ينقلِبَ الشيخُ راشد الغنّوشي أخلاقيَّاً على الدولة السوريّة التي استضافَتْهُ لاجئاً سياسيَّاً سنة 1999 بين لاجئين سياسيين تونسيين آخَرِين ، ويُعْلِنَ مِن قناةِ "الجزيرة" سيّئة السّمعَةِ عَزْمَهُ على قَطْعِ العلاقات مع دمشق غبَّ فَوْز حركته الإخوانيّة في أولى الأنتخابات التشريعيّة التي شهدَتْهَا تونسُ بَعْدَ إطاحةِ الرئيس زين العابدين بن علي يوم2011/1/14، وأن يؤكِّدَ صهرُهَ ،زَوْجُ ابنتِهِ ، رفيق عبد السلام بوشلاكة وزير الخارجيّة الأسبق يومَ 2012/4/24 لذات القناة القطرية (الجزيرة) أنّ "الحكومة التونسية اتخذت قراراً بصورة جماعيّة يُطرَدُ بمقتضاه السفير السوري مِن تونس ، وستنفّذهُ وزارةُ الخارجيّة تضامُناً مع الثورة السوريّة" ليزعم بوشلاكة ، عَيْنه إيّاه، على قناة تلفزيونيّة تونسية في فيفري/شباط2015أنّه كوزيرِ خارجيّة عن حركةِ النهضة كان آنذاك (هو وحركة النهضة) ضدّ قرار طرْد السفير السوري بتونس وضدّ قطع العلاقات مع سوريا ، قائلاً إنّ قرار طرْد السفير وإغلاق السفارة اتخذه الرئيسُ السابق المؤقت محمد المنصف المرزوقي بمفرده ، ثُمَّ لاحِقاً يُصرِّحُ القيادي في حركة النهضة محمد بن سالم وزير الفلاحة السابق في حكومة "الترويكا" التي كانت تقودُها حركةُ النهضة ،بأنّ إعلان الطيب البكوش وزير الخارجية التونسي الحالي عن حركةِ نداء تونس عن إعادة العلاقات بين تونس ودمشق "هو قرار غير صائب بالمرَّة وقد غلبَتْ عليهِ المسائل الأيديولوجيّة " وأنّ "مواقف تونس الخارجيّة أصبحت اليوم لا تراعي المسائلَ المبدئيّة ولا تناصِر الشعوبَ العربيّة المُناضلة من أجلِ الحريّة والديمقراطيّة"(لأنّ حركة النهضةتعدُّ خَطْفَ النساءِ والأطفال وذَبْحَ المدنيين ومَضْغَ أفئدةِ الخُصوم بَعْدَ تكفيرِهِم وتدميرَ البيوت الآمنة وحَرْقَ الحقول وتفكيكَ المصانع وبيعها مع الأعضاء البشريّة في تركيا "العدالة والتنمية"وتدميرَ مؤسسات الدولة في القرى والمدُن السورية شكلاً مِن أشكال الحرية والديمقراطية!)..كما هدّد محمد بن سالم بمساءلة الحكومة بشأن قرار الطيّب البكوش في مجلس نواب الشعب متكئا في ذلك على ثِقَلِ حركةالنهضة وحلفائها في المجلس المذكور.
هذا كلّه مِن طبيعةِ الخطاب الإخواني المُزدَوِج وتوزيع الأدوار المُراوِغ اللذين تأصَّلا في المرجعيّة الأيديولوجيّة لحركةِ النهضة.
لكنّ المُفارَقَةَ المؤسِفة أنّ حركةَ نِداء تونس لم تُفارِقْ سُلوكَ حركةِ النّهضةِ في تعامُلِها مع الشأنِ نفْسِهِ ، أعْنِي قطْع العلاقات مع سوريّا.فإبّان حَمْلَتِها المُتعلِّقة بالإنتخابات التشريعيّة الأخيرة ركَّزَتْ حركةُ نِداء تونس على أنَّ إعادة العلاقات مع سوريا ستكون مِن أولويّات سياستها الخارجيّة إن فازَتْ في البرلمان بأغلبيةٍ ما حتى لو لم تشكِّلْ هي الحكومة وحتى لو لم يفزْ زعيمُها الباجي قائد السبسي في الإنتخابات الرئاسية ، وعَدَّ رئيسُها السبسي وأعضادُهُ في قيادةِ حركة نداء تونس ذلك واجباً وطنيا إزاء مُواطنيهم التونسيين المُقيمين في سوريا والذين عانوا ويُعانونَ مِن عذابات شتّى تسبَّب لهُم بها قرارُ سُلطاتِ بلادهم في عهد "الترويكا" ، كما اعتبر السبسي وزملاؤه النِّدائيون أنَّ طَرْدَ السفير السوري وقَطْعَ العلاقات مع سوريا كانا خَطأ فادِحا لامُبَرِّر له ارْتَكَبَتْهُ حكومةُ الترويكا ورئيسُ الجمهورية المؤقت وأنّ قيادة حركة نداء تونس عازمةٌ على إصلاح هذا الخطأ بالرجوع عنه، وأكّدَ السيدالباجي قائد السبسي هذا الموقف بَعْدَ أن جَرى انتِخابُه رئيساً للجمهوريّة مُشَدِّداً في حوارٍ أجْرَتْهُ معه قناةٌ تونسيّة على أنّ قطع العلاقات مع دمشق وطرْد سفيرِها كان خطأ ، مُلاحِظا أنّ الدولة السورية لم ترتكب في حقّ تونس أيّ خطأ يستدعي طرْدَ سفيرها وقطع العلاقات معها وأن مااتُّخِذَ ذريعةً لذلك كان شأنا داخليّاً سوريّاً يُمكن مقاربتُه في أحسن الأحوال من باب النصيحة إذا طُلِبَت ، مما يَعني ضمنيّاً أنّ الرئيسَ السبسي سيُصلِح هذا الخطأ الأحْمَق وفْقاً لِما يمنحُهُ له الدستور مِن صلاحيّات ، حيث ينصّ الدستور التونسي الجديد على أنّ " ضبْطَ ملامحِ السياسة الخارجيّة وتَوَجُّهاتها هي مِن صلاحيات رئيس الجمهورية دون سِواه"، وفي هذا السياقِ صَبَّتْ تصريحاتٌ عديدة لأكثر مِن قِيادِي في حركة نداء تونس كالطيب البكوش بصفتَيهِ الحزبيّة والحكوميّة وكالأزهر العكرمي الذي سافرَ لِهذا الغَرَض إلى دِمَشْق والتقى فيها عدّة مسؤولين في الحكومة السورية كاللواء محمد الشعار وزير الداخلية وفي حزب البعث الحاكم كهلال الهلال الأمين القطري المساعد ، وأدلى بتصريحات ذكر فيها أنه مِن التونسيين الذين درسوا في جامعة دمشق.
وتتويجاً لهذا التوجُّه أعلنَ الطيّب البكّوش وزير الخارجية التونسي في ندوة صحفية يوم 2015/4/2أن تونس قامت برفع التجميد الدبلوماسي مع سورياو"أن الوزارة(الخارجية التونسية) قامت بإبلاغ الجانب السوري بأنه يمكنه إرسال سفير لسوريا إلى تونس" وأن "تونس تعتزم فتح قنصلية في سوريا" مؤكدا "ترحيب تونس بعودة السفير السوري إلى أراضيها"وأنّ "قائمابالأعمال أو قنصلا" من تونس "سيصل دمشق "في القريب العاجل".
ولكنّ المُفاجأةَ التي صَدَمَتْ التونسيين قبلَ غيرهم هِيَ تَراجُع الرئيس الباجي قائد السبسي يوم 2015/4/3في حِوار أجْرته معه قناة فرانس24عن ماكان قد أعلنه في قناة تونسية ، مُعلِناً أنّ تونسَ لم تُغيّر سياستها في الموضوع(السوري) ولن نخرج عن السياق العربي " وأن "موقف تونس الحالي مع الدبلوماسية السورية يتطابق والإجماع العربي وموقف الجامعة العربية" أي أن بلاده لن تُعيدَ علاقاتها مع دمشق مُرْدِفاً في ذات الحوار أنه "ليس على توافُق مع قرار طرد السفير السوري مِن تونس إلا أنّ الإجماعَ العربي له تأثير على تحديد المواقف الرسمية للدول".
وهذا يَعْنِي أنّ الرئيسَ السبسي لم يَعُدْ مَعْنِيَّاً بإصلاحِ الخطأ الذي ارتَكَبَهُ سَلَفُهُ المؤقّت ، أي أنَّهُ مُسْتَمرّ في تبنّي ذلك الخطأ وتدَاعِياتِه وكأنّه قَدَريّ ؟! ، مُكتَشِفاً في باريس (؟!)"ضرورةَ" التِزامِهِ بما وصفَهُ ب"الإجماع العربي" المزعوم.
وهُنا نتساءلُ : كيف يستقيم حديث "السبسي" عن "إجماع عربي" وواقع الحال أنّ الجزائرَ جارة تونس وشقيقتها الكبرى لم تطردْ سفير الدولة السورية ولم تقطع علاقاتها مع دمشق ، ومثلها فعَلَتْ سلطنة عُمان والعراق ولبنان وحتى الأردن طردت سفير دمشق في عمّان الدكتور بهجت سليمان تحت ضغط السعودية وتهديدها باغتياله على الأراضي الأردنية لكنها لم تغلق السفارة السورية ولم تقطع العلاقات مع الدولة السورية،بل حتى الكويت أعادتْ العلاقات مع دمشق غيْر آبِهة بهذا "الإجماع" الأعرابي.وهذا يعني أنّ أمْرَالعلاقات مع دمشق تُرِكَ البَتُّ فيه لدول الجامعة العربية أو دول منظمة الأمم المتحدة ، أي بَقِيَ شأناً ثنائياً تقرره أي دولة عربية أو أجنبية وفقاً لِمصالِحِها ولِما يحترمُ سيادَتَها.
وتاريخ الدبلوماسية التونسية المُعاصِر عَرَفَ محطاتٍ صعْبَة لم تحِدْ فيها الدولةُ التونسية عن التزامِها بمصالحِ مواطنيها واحترامِها لسيادتها مِنها مَوقِف الزعيم الحبيب بورقيبة عندما هَدَّدَ الولايات المتحدة الأمريكية بطرْدِ سفيرِها مِن تونس وغَلْقِ سفارتها إذا استخدَمَتْ حَقَّ "الفيتو" في مجلس الأمن ضدّ قرار يُدين العدوان الجوّيّ الإسرائيلي على مدينةِ حمام الشطّ التونسيةالذي استشهدَ مِن جرّائه مواطنون تونسيون إلى جانب ضيوفِهِم وأشقائهم الفلسطينيين فأذعنَتْ واشنطن لإرادة بورقيبة الوطنية ، كما نذكر قرار الرئيس بورقيبة النبيل بطرد أمير سعودي في أقلّ مِن أربَعٍ وعشرين ساعة عندما علِمَ أبُ التونسيين جميعاً أنّ ذلك الأمير الأعرابيّ أهانَ مُواطِناً تونسيا يعمل نادِلاً في أحَدِ فنادق تونس.
ولِمَ لا نُذَكِّر في هذا السياق بأنّ الرئيسَ زين العابدين بن علي كان يسير على نَهج سَلَفِهِ الزعيم الحبيب بورقيبة عندما رفَضَ حضور قمة جامِعة الدول العربية التي دَعا إليها الرئيس حسني مبارك لِتمرير قرارات طرد العراق من تلك "الجامعة" وإعطاء غطاءللعدوان عليه؟ بل إن سفارة تونس وسفيرها لم يغادرا بغداد على مدى 13سنة مِن فرْض الحظر والحصار الجائرين على شعب العراق ودولته كما لم تغلَقْ سفارة العراق في تونس ولم يُطْرَدْ السفير العراقيّ منها.
فكيف نفهم قرار السيد الرئيس الباجي قائد السبسي على ضوء مُعطيات الدبلوماسية التونسية ما قبْل بِدْعَة الضلال التي سَنَّتْها الترويكا بقيادَةِ حركةِ النهضة؟ ألا يجدر بالرئيس البورقيبيّ أن يُصالِحَ الدبلوماسيّة التونسيّة مع تاريخِها المُشَرِّف آخِذا مَصالحَ المئات إن لم نقل الآلاف مِن مواطناتِهِ ومُواطنيه في الحسبان؟وواقِع الحال أنّ قَطْعَ العلاقات مع دمشق ألحقَ الضررَ المُباشَر بالمواطنين التونسيين المقيمين في سوريا والمواطنين السوريين في تونس قبْل أيّ جِهَةٍ أخرى.
ثمّ هل أصْغى سيادَة الرئيس السبسي إلى مَواقِفِ النُّخَب الحقوقيّة والثقافيّة والسياسيّة وبينها مَن يَنتمي بشكلٍ أو بآخرإلى حركةِ نداء تونس -ناهِيكَ عن ناخِبيها - الذين ما انفكّوا يُطالبونَ بإصلاح ذلكَ الخطأ الشنيع وغير المُبَرَّر الذي يعدّهُ بعض الخبراء التونسيين واحدا مِن أسباب تورُّط الشباب التونسيين في حرب المرتزقة والتكفيريين ضدّ الدولة السورية على الأراضي السورية ، ومِن هذا البعض نذكر هنا ماقاله أستاذ التاريخ السياسي ،التونسي "عبد اللطيف الحناشي" وهو يتحدث عن العوامل التي ساهمت في بروز ظاهرة توجه تونسيين للقتال في سوريا منذ سنة 2011 وفق نتائج دراسة قام بها،وذلك خلال ندوة نظمها يوم 2015/4/24المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل حول ظاهرة التطرف عند الشباب ،حيث قال"إن المواقف السياسية والدبلوماسية لحكومة الترويكا برئاسة حركة النهضة ورئاسة الجمهورية (محمد المنصف المرزوقي) في تلك الفترة بررت قيام عدة أطراف بتوظيف الشباب وتسفيرهم للقتال في سوريا".
ولاحظ أن "حكومة الترويكا برئاسة النهضة وفرت كذلك مبررا قانونيا للشباب باعتبار أن تونس كانت أول دولة قطعت علاقاتها مع سوريا وتعترف بالمعارضة السورية وثاني دولة في العالم تعقد على أراضيها مايسمى مؤتمر أصدقاء سوريا بإشراف رئيس الجمهورية السابق وأعضاء الترويكا الحاكمة"، وبالإضافة إلى ما عدَّه تشريعا سياسيا لهذه الظاهرة ذكر الحناشي بقيام شخصيات سياسية بالتحريض على "الجهاد " سواء "من خلال خطابات لا تستنكر العنف بين النظام السوري والتنظيمات الارهابية ، أو عبر تصريحات تتفهم سلوكات الشباب الذي يسافر إلى هذا البلد للقتال من ذلك عَدّ القيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز الجهاد غاية نبيلة وإعلان حزب التحرير أن أبناء الأمة يبحثون عن الجهاد ضد الاستعمار في العراق والاستبداد في سوريا".
وإذا كان هذا وَحْدَه غيرَ كافٍ (وهُوَ كافٍ)كي يعدّ الرئيس السبسي إصلاحَ خطأ سَلَفِهِ ضرورةً وطنيّة،فإننا نضيف إلى ذلك ،الإشارةَ إلى الرسالةِ المَفْتُوحَة التي وَجَّهَها إلى فخامَتِهِ عبر العدد الصادر يوم 2015/4/13مِن جريدة "الشروق" التونسية كُلٌّ مِن المواطنة التونسية هندة بالحاج علي مِن"اللجنة التونسية لِصدِّ العدوان على سوريا" والحقوقي التونسي أحمد المناعي "عضو بعثة الجامعة العربية إلى سوريا ورئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية" والتي يُذكّران بها سيادته بموقف الدولة السورية المبدئيّ في إغاثةِ تونس شعباً وأفراداً بالقمحِ والتعليم كي لانقول المعرفة، ويخاطبانه حرفيّاً "كلُّ ما نطلبه ونستغيث مِن أجْلِهِ ونتشبَّثُ بِهِ هُو إصْلاح ما اقْتَرَفَهُ سَلَفَكُم مِن أخطاء في حَقَّ سوريا وأن تساعدونا على تَطْهِيرِ أيْدينا وَلَوْ بِما نَدَرَ فِيَكْفِي أنَّ أبناءَ تونس قَتَلُوا أئمَّةَ سوريّا وراهِباتِها وأطفالَها".
وإذا كان ليس ثمة مَنْ يُوصِل إلى فخامَة الرئيس حقيقة أنّ كلّ يوم أربعاء وعلى مدى أكثر مِن سبعين أسبوعا يعتصم عشرات التونسيات والتونسيين رافعين الأعلام السورية والتونسية أمام مقر وزارة الخارجية التونسية مُطالبين باللافتات المكتوبة والهتافات المنطوقة بإعادة العلاقات التونسية السورية وفتح سفارتيّ البلدين الشقيقين في تونس ودمشق ، فَهَل وَصله ماكتَبَته الباحثة الجامعية التونسية ألدكتورة ألفة يوسف أحد رُمُوز تونس الثقافية التي كانت إلى وقتٍ قريب مِن أقرب المُقَرَّبين والمُقرّبات إلى سيادة الرئيس السبسي؟، كتبت ألفة يوسف على جدارها في "الفايسبوك" بعد أن بثّت القناة الفرنسية الثانية لقاء مع سيادة الرئيس السوري بسار الأسد :(بعدأن كانت الأخبار الفرنسية في القنوات الرسمية تفتتح باتهام بشار “الدكتاتور” بقتل شعبه وتدمير الثوار…ها أن بشاراً نفسه اليوم ضيف مبجل على القناة الفرنسية الثانية…ويُوصف بأنه مناور جيد .لا يهم…الوضع العالمي يتبدّل ما في ذلك شك، وأوهام الثورات الإخوانية باتت ذكرى، والعملاق الروسي الصيني الإيراني…بدأ يحتل موقعا هاما…تحية لسورية الأبية على صمودها، تحية لمن وقف وراءها وساندها…ألف رحمة على شهداء الشام الحبيبة ولا عزاء لكل الخونة، بائعي الأوطان (ما أجمل عبق الربيع الفعلي).
إذَنْ ، إذاكنا نَفْهَم أنّ قرار حركة النهضة وشريكيها في "الترويكا" بطرْد السفير السوري وقطع العلاقات مع دمشق ، مُمْلى مِن القيادة الدوليّة للإخوان المسلمين وآل ثاني في قطَر وأردوغان في تركيا والأليزيه وأجهزته الاستخباريّة في فرنسا ناهيك عن الدوائر الصهيوأمريكية من السفارة الأمريكية في تونس إلى مقر الأيباك في واشنطن،فإننا في حَيْرَةٍ حَقّاً إزاء قرار سيادَة الرئيس الباجي قائد السبسي الذي نعلم أنّه حريصٌ على أن ينسجم كلُّ قرارٍ يتّخذه مع نبض الشارع الوطني االتونسي ونُخَبِهِ التنويريّة الحريصة على مصالح تونس العليا ،وزاد في حيرتنا اقتناعُنا بأنّ الرئيس السبسي يُدرك أكثر مِن غيرِهِ أنّ قرار قطْع العلاقات مع دمشق باطل وأنّ كُلّ ما يُبْنى على باطِلٍ هُو باطِلٌ بالضرورة، ولذلك فإنّ الآمال عندنا كبيرة بأنّ القادِمَ مِن الأيّام يَحْمِلَ إلينا مايُبَدِّدُ حَيْرتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.