الهزيمة المدوية التي مني بها حزب العمال الحاكم في بريطانيا خلال الانتخابات المحلية هذا الاسبوع حملت في طياتها اكثر من رسالة للساحة السياسية البريطانية ولاشك ان في اعترافات رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون بثقل الهزيمة ودعوته بضرورة الاستفادة من درس الانتخابات ما يمكن ان يعكس موقف الراي العام البريطاني ومعارضته لخياراته السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي لا سيما في خضم ما كشفته استطلاعات الراي بشان التراجع الحاد في شعبية براون لدى الراي العام البريطاني الذي اختارعدم توخي السلبية وقرر بالتالي ابداء استيائه العلني ازاء سياسات براون وحساباته التي لم تجد لها صدى لدى الناخب البريطاني فكانت نتيجة هذه الانتخابات في انقلترا وويلز اشبه بالعقاب عبر صناديق الاقتراع التي احتكم إليها البريطانيون في تقييم سياسة رئيس الوزراء. و قد جاءت هذه النتائج لتذكر لا بحجم التحديات التي تنتظر براون لاستعادة ثقة الراي العام وكسب تاييده فقط في الجولات القادمة ولكن ايضا لتكشف ان الارث الذي تحمله عن سلفه توني بلير لن يكون بالسهل وان حجم الاخفاقات واسباب الاستياء والجفاء لدى الناخب البريطاني لم تكن بالهينة، كما ان الرهان على كسب الورقة الانتخابية لم يكن بالامر المضمون سلفا في بلد لم يتعود على تقديم الصكوك المجانية لممثليه في السلطة ولا يتردد في اقصاء من لا يحظون بثقته في ادارة شؤونهم... ولاشك ان هذه الانتخابات التي تاتي بعد عشرة اشهر على تولي براون رئاسة الوزراء خلفا لتوني بلير وقبل سنتين على موعد الانتخابات العامة من شانها ان تعكس حجم التحول المرتقب في الحياة السياسية البريطانية التي طالما خضعت للتبادل التقليدي للسلطة بين المحافظين والعماليين. ولاشك ان في حصول الحزب العمالي الحاكم على المرتبة الثالثة في هذه الانتخابات بفارق كبير من الاصوات بين كل من الليبيراليين الديموقراطيين والمحافظين ما يؤكد حجم الاختبار الذي خضع له براون وثقل التركة التي ورثها عن توني بلير رئيس الوزراء السابق وما اثاره من جدل بشان مواقفه من الحرب على العراق والتاييد الواسع لسياسات الرئيس الامريكي في الشرق الاوسط فضلا عن مواقفه ازاء السياسة الحالية المتعلقة بالضرائب او باصلاح التعليم او غيرها من القضايا التي تشغل الراي العام البريطاني. والحقيقة ان فوز المرشح المحافظ بوريس جونستون برئاسة بلدية لندن بعد تغلبه على العمالي ليفينغستون جاء ليوجه صفعة اضافية لجوردون براون في هذه الانتخابات بكل ما يمكن ان تعنيه هذه النتائج من تحولات مرتقبة في الساحة السياسية البريطانية ومن تغيير ايضا في المصالح والاولويات على الساحة الداخلية كما على الساحة الاقليمية والدولية لا سيما في خضم التحولات المرتقبة مع موسم الانتخابات الرئاسية الامريكية وما يمكن ان تفرزه من ولاءات وتحالفات جديدة...