بدأ الإعداد للحملات الدعائية للانتخابات في بريطانيا مبكرا عمّا كان معهودا في السابق في ظل تنافس محموم بين اثنين من أهم الأحزاب البريطانية: حزب العمال برئاسة غوردن براون (رئيس الحكومة الحالي) وحزب المحافظين بزعامة الشاب دفيد كاميرون. ولا توجد حتى الآن مؤشرات دقيقة على ميل الكفّة لأي من الحزبين، لكن ثمة تطورات حدثت منذ تنحي العمالي طوني بلير من منصبه ليخلفه براون (في اطار صفقة تحفظ لحزب العمال ماء وجهه وتمنح بلير حصانة سياسية). والاكيد ان حزب العمال البريطاني الحاكم شهد منذ تولي براون رئاسته هزّات سياسية من شأنها التأثير على سير الانتخابات القادمة. وقد استفاد دفيد كاميرون من عثرات خصمه براون الذي واجه ولا يزال مشاكل داخل حزبه ومشاكل سياسية أعقد على مستوى إدارته للحكومة والملفات الدولية الخارجية. والواضح ايضا ان براون الذي كان قبل توليه منصبه الحالي وزيرا للمالية في حكومة سلفه، ورث تركة ثقيلة من المشاكل الداخلية والخارجية، فبلير غادر منصبه ليورث خلفه تبعات سياسته الفاشلة. منذ أيام مضت أعلن غوردن براون عن افتتاح حملته الانتخابية (قبل 6 أشهر من تاريخ بدإ الانتخابات) في محاولة لاستعادة ثقة البريطانيين في حزبه (حزب العمال) أما حزب المحافظين بزعامة كاميرون فقد عاد بقوة الى الساحة السياسية بعد سنوات من انتكاسته وتراجع حظوظه في الحكم. ينظر كبار اعضاء حزب المحافظين الى كاميرون بوصفه الشخصية الاقدر على احياء مجد الحزب وانقاذه من النكسات والهزائم المتتالية. ويرى فيه البعض جون كيندي البريطاني (في إشارة الى الرئيس الامريكي الراحل) فهو يتمتع بقدرة على التأثير والاقناع، ولديه استراتيجية تحرك وبناء قادرة على انتشال حزب المحافظين من انتكاسته السياسية. لوسامة الرجل ايضا دور في «التزكية» الحزبية حيث منذ وصوله الى زعامة الحزب، ارتفعت نسبة النساء المؤيدة لحزب المحافظين، كما انه يحرص على الظهور بشكل بسيط على خلاف ما كانت تظهر به شخصيات بارزة في الحزب (الشدة والصرامة في كل شيء حتى في اللباس). لا يملك كاميرون خبرة سياسية كبيرة حيث لم يدخل مجلس العموم البريطاني سوى عام 2001 ولم يكن قبل ذلك معروفا، ومع ذلك استطاع ان ينافس شخصيات محنكة سياسيا على زعامة الحزب، ومن ثمة دخل في منافسة مع حزب العمال على رئاسة الوزراء. استفاد دفيد كاميرون كثيرا من عثرات الحكومة «العمالية» في عهد طوني بلير، واليوم يستفيد ايضا من عثرات غوردن براون خاصة بعد تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية، وبعد نكسات القوات البريطانية في العراق وفي أفغانستان. لم يعارض كاميرون مشاركة بلاده في الحرب على العراق، لكنه يطالب بسحبها من أفغانستان، وقد وظف ورطة الحكومة الحالية لاستعادة شعبية حزبه. ولا يرى في غوردن براون الشخص المؤهل لإدارة البلاد، ففي كل مناسبة يستذكر دفيد كاميرون اخفاق سياسة براون في حل المشاكل الاقتصادية ومعالجة القضايا الداخلية، في الوقت الذي تتكبد فيه القوات البريطانية خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد خارج الأراضي البريطانية. توجه كاميرون في خطاباته السياسية أيضا الى فئة الشباب مؤكدا على ضرورة ان تحظى بالرعاية والدعم بوصفها عماد مستقبل بريطانيا، وهو بذلك يعزف على وتر حسّاس حيث يعاني الشباب من البطالة احدى أكبر المشاكل التي يواجهها خصمه براون داخليا. من أبرز مواقف زعيم حزب المحافظين هجومه اللاذع على روسيا ونظامها خاصة إبان الحرب الجورجية الروسية الأخيرة حيث انتقد ما وصفه بالاستخدام المفرط للقوّة، وحذّر من أنه ما لم تدفع موسكو ثمن ضربها لجورجيا عسكريا، فإن الدور آت على أوكرانيا ودول البلطيق. وفي المقابل يعكف حزب العمال على الاعداد المبكر للمواجهة والمنافسة إدراكا منه لضعف الحظوظ أو على أقل تقدير تحسبا للمفاجآت التي يعدّها المحافظون. غوردن براون المعروف بجدّيته التي فاقت المطلوب (ظاهريا) استعان بالفريق ذاته الذي مكن سلفه طوني بلير من كسب الانتخابات مرتين على التوالي، ويراهن في الوقت ذاته على خبرة الفريق في إدارة المعركة الانتخابية. يصف بعض المراقبين غوردن براون بالشيطان والملاك في آن واحد، فهو خليط من الاثنين: شيطان حين يفترض أن ينقض على خصومه، وملاك حين يهادنهم، أكانوا خصومه التقليديين (أي حزب المحافظين) أو خصومه في حزب العمال ذاته. يملك الرجل من الخبرة السياسية ما يكفي للمنافسة، ولكن منغصات تورطه في افغانستان والعراق، قد تقضي على حظوظه في الفوز، فاللعنة التي كنست بلير من 10 دوانينغ ستريت ومقر الحكومة البريطانية) قد تكنس بدورها غوردن براون. استطلاعات الرأي الاخيرة تشير الى أن غالبية البريطانيين مع سحب القوات من أفغانستان، وهي رغبة مناقضة لتحركات براون ميدانيا، فهو يحرص على ارسال المزيد من الجنود البريطانيين الى المستنقع الافغاني، ويحشد الدعم الدولي لرؤيته ومساعيه أمر قد يدفع الناخب البريطاني الراغب في التغيير، الى الالتفات الى حزب المحافظين علّه يعيد بعضا من سمعة بريطانيا وهيبتها.