تونس/الصباح اختتمت يوم السبت 17 ماي فعاليات الدورة الأولى للمهرجان الشبابي للأغنية التراثية الذي نظمته وفي إطار الدورة 17 لشهر التراث المندوبية الجهوية للثقافة بولاية تونس تحت إشراف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بسهرة فرجوية شيقة أحيت جزءها الأول مجموعة إفريقا لإبراهيم بهلول وجزءها الثاني الفنانة زهرة لجنف. هذا المهرجان الذي شهدت فعالياته دار الثقافة ابن رشيق وامتد على أيام 15 و16 و17 ماي الجاري يهدف إلى دعم الممارسة الابداعية في مجال التراث لدى الشباب وتثمين المنجز منها في اتجاه تأصيلها والتعريف بها والمساعدة على نشرها بين الجمهور الواسع وبشكل عام المساهمة في إعلاء قيمة التراث حتى يظل سندا لتغذية جذوى الشعور بالانتماء وبناء الشخصية المعتزة بذاتها والمتشبّثة بهويتها المتجذرة في أصولها مما يجعلها قادرة على الانفتاح على الآخر بعزة واقتدار. 3 سهرات وندوة اشتمل المهرجان على ثلاث سهرات لموسيقى التراث أثّثت السهرة الأولى مجموعة الفنان وليد الغربي - عرض القافلة - بمشاركة عبد الرحمان الشيخاوي وسفيان الزايدي وألفة السويسي وصالح الورغي وجميلة حقي. وأمن فعاليات السهرة الثانية الفنان بلقاسم بوقنة أما السهرة الثالثة فقد كانت من نصيب مجموعة زهرة لجنف ومجموعة افريقا لإبراهيم بهلول. وبالتوازي مع سهرات المهرجان الثلاث تم تنظيم ندوة فكرية حول «الشباب والأغنية التراثية» ترأسها الدكتور محمد زين العابدين مدير المعهد العالي للموسيقى وقدم خلالها الأستاذان علي سعيدان وأنيس المدب مداخلتين تابعهما ثلة من أهل الاختصاص واحتضنهما المعهد العالي للموسيقى بتونس. دورة تأسيسية ناجحة بدا تنظيم هذه الدورة التأسيسية لهذا المهرجان الجديد محكما بحيث أمن نسبة كبيرة من النجاح أما النسبة المتبقية فكانت في التوفق في اختيار البرنامج وتقسيمه والفرق التي أحيت سهراته واحترام مواقيت بداية العروض وانتهائها في ساعة مبكرة نوعا ما بما يمكن الجمهور وكلّه من الشباب من استعمال وسائل النقل العمومية عند نهاية العروض والعودة. حضور شبابي ذكوري ملفت للانتباه لقد كان حضور الشباب في هذا المهرجان لافتا للانتباه لا من حيث النسبة الغالبة فقط وإنّما أيضا من حيث التجاوب والتفاعل مع الغناء والإيقاع التراثي والتراثي المهذب والتراثي المتجدد والنسج على منوال التراث وهذه النسبة الكبيرة من المراهقين الذين غصت بهم دار الثقافة ابن رشيق استمتعوا باللحن والكلمة المعبرة النافذة الى الاعماق والديكور الذي تمت تهيئته على الركح الذي ازدان بحلة تقليدية وببعض ما يوضع عادة تحت خيام البدو من ادوات وآلات مصنوعة يدويا وبما تلألأ فيه من أنوار غلبت عليها الوان اللهب... كان الديكور خليطا متجانسا من كل شيء وخاصة الآلات الايقاعية وقد اعتقدنا في البداية أن «المهراس» نشاز داخل تلك الخيمة الافتراضية ولكنه لم يكن كذلك إذ وظفه الفنان ابراهيم البهلول في إحدى معزوفاته توظيفا مذهلا أصدر من خلاله نغمات أضافت مسحة من التجديد والبحث عن الاختلاف. ابراهيم البهلول: بحث دائم عن التجديد والإضافة والحقيقة أن هذه الأجواء وهذه الإضافات ليست بغريبة عن الفنان ابراهيم البهلول الذي تمكن من توظيف الحجر الصوان ايضا واصدر من خلاله نغمات غريبة ولكنها لم تكن نشازا في معزوفات سابقة. عم الحبيب الجويني وحفيده أبدعا خلال السهرة من ناحية العزف على آلة القمبري بالنسبة للأول والرقص بالنسبة للثاني أما كلمات الاغاني فرغم تعذر فهمها على الجميع فإنها لم تمنع من التفاعل مع ما كان يعزفه من موسيقى وقد سعد الجمهور بما بدا على وجه الشيخ وهو يعزف ويرى تفاعل الشباب معه من سعادة فصفق له ولحفيده بحرارة وطالبه بالمزيد. عناد الكاهنة.. غنج الجازية... وموهبة فطوم في الجزء الثاني من السهرة أطلت زهرة لجنف بثوبها الناصع البياض وحليها الفضي البدوي وشعرها الحالك السواد فبدت حورية قادمة من غياهب الازمان صدحت فنفذ صوتها الى الأعماق أصرت على أن «تسلب» عقول الشباب بما تملكه من صوت قوي عذب دافئ ورقيق اذا ما أرادت له ذلك وبما لديها من تراث موسيقي مس الحضور من الاعماق فعاشه ولكأنه لم يغب عن أذنيه كل هذه الحقب الزمانية فتجلت على الركح وكأني بها الكاهنة عنيدة مصرة على احياء ما اندثر وغاب عن الذاكرة. تمايلت وتغنجت ولاعبت طبقات صوتها الايقاعات وخللت خصلات شعرها بأناملها تعيد تسريحه فذكرت بالجازية الهلالية أتت غازية تريد جزءا من اهتمام الشباب لفنها وقد طورته وأضافت عليه ما يمكن أن يرغب فيه شباب اليوم. تأوهت وتسلطنت فذكرت بفطوم القفصية تلك هي زهرة لجنف عازفة العود عاشقة الكمنجة خريجة المعهد العالي للموسيقى منشدة الراشيدية عضوة فرقة الموسيقى العربية تحت ادارة محمد سعادة مغنية الموشحات والمألوف والادوار. غنت زهرة أحلى أغانيها التي نهلتها من التراث فسلبت بها العقول وتركت جمهورها في حيرة لا يعرف هل يرقص ويتمايل معها أم يحاول ان يستمع للكلمات ليحفظها وخاصة تلك التي رافقتها موسيقى شاعرية رقيقة كأغنية «يا خد مشموم في ايدين الباي المصطفى» أو «على ذرعانا».. أو «شامة» أو «يا جبل يا عالي لو نطلعك» أو «دالة بدالة» - «يا عرجون الدقلة يا عالي».. «حدة» - «زينك عجيب رقراق» - «رد النبا» - «جمل يهدر» - «جملها يربخ وساقوه رحل». جاز.. روك.. وريقي.. ساكسوفون وقصبة كما غنت من كلماتها وتلحينها ورافقتها موسيقى فيها نفحة من الجاز والروك والريقي واضفى الساكسوفون والبيانو والباتري الكثير من الجمال على موسيقاها خاصة وقد تمكنت مجموعتها المتكونة من رواد رحومة ورياض الصغير وحسين بن ميلود عازف القصبة ومعز الكعباشي ومحمد وعمار عدالة وأيوب لجنف ورشدي ودبيش وعبد الله يحيى - تمكنت من التوليف بين آلات الايقاع القوية مع آلات النفخ والبيانو دون أن يطغى صوت هذا على ذاك أو يمثل هذا بجانب الآخر نشازا. وبنهاية الحفل اسدل الستار عن المهرجان الشبابي للأغنية التراثية في دورته الاولى التي كانت ناجحة الى أبعد الحدود على أمل أن يتواصل لدورات أخرى وأن يتوسع وينتظم في فضاءات أرحب وعلى أن لا يتزامن توقيته مع امتحانات الشباب والتلاميذ الذين واكبوا فعالياته وتفاعلوا معها رغم العراقيل والصعوبات والفروض.