انتصاب لا يخضع لكراس شروط... ومعظم من يمارس هذه المهنة متطفّل تونس الصباح: مع ظهور الهاتف الجوال والانتشار الذي شهده بسرعة في تونس، وارتفاع نسبة إمتلاكه داخل كل الفئات الاجتماعية، وفي كل جهات البلاد ظهرت مهن جديدة ما كانت لتعرفها البلاد لولا ظهور هذا المحمول العجيب الذي بات يعتمده الصغار والكبار ولا يخلو منه أي بيت، حتى أنه بات يتعدد بتعدد أفراد العائلة. هذه الظاهرة أو المهنة الجديدة جاء بها هذا الواقع الجديد الذي فرضته الثورة الاتصالية التي برزت مع مطلع هذا القرن.. وكان لابد أن يتأقلم معها المجتمع التونسي شأنه في ذلك شأن بقية المجتمعات، وهي تلك التي تتعلق بإصلاح هذه الهواتف بعد كثرتها والافراط في استعمالها الذي لا بد أن تنتج عنه أعطاب. فكيف ظهرت نقاط إصلاح الهواتف الجوالة؟ هل تخضع لشروط انتصاب ورخص مسبقة؟ ماذا عن باعثي هذه النقاط وهل هم من أهل الاختصاص؟ وهل بادر المشرع والسلط بتطويق هذه الظاهرة وتقنين تعاطيها أم انها بقيت من المهن المهمشة التي نتجت عنها مشاكل ما انفكت تتزايد؟ نقاط لإصلاح الهواتف الجوالة في كل مكان ما إن ظهر الهاتف الجوال وتداوله الناس حتى تبعته ظاهرة انتصاب نقاط لإصلاحه.. ونعتقد أن ذلك من الأمور الطبيعية باعتبار أن المحمول من الالات الواردة علينا من الخارج ويصعب التعامل معها عند حصول أي عطب يحصل بها، شأنها شأن كل التجهيزات الالكترونية الحديثة. وفي البداية تعلقت جوانب الاصلاح بتشفير المحمول لإدخاله حيز النشاط، لكن سرعان ما اتصلت بجوانب أخرى متعددة نظرا للأخطاء التي تحصل في استخدامه، أو تعطبه نتيجة أي سبب من الأسباب. ومع تطور مظاهر الخلل والاخطاء في استعمال هذا الهاتف وتشغيله وما يتعرض له أيضا من حوادث تطورت مهنة اصلاحه وتسارع نسقها وتولتها أعداد كبيرة من الناس يأتي في مقدّمتهم العاملون في المجال الالكتروني كمصلحي التلفزات على وجه الخصوص. ويبدو أن نسبة امتلاك هذا الهاتف التي سرعان ما أصبحت عالية، بسبب تهافت الناس عليه، وبلغت في ظرف وجيز قرابة 70 في المائة من عدد سكان البلاد فسحت المجال سريعا لانتشار هذه المهنة الجديدة التي أقبل عليها كل عارف ولو بدرجة بسيطة بعالم الالكترونيك. وراح يستقبل هذه الهواتف لإصلاحها، وينهب ما شاء من الأموال من أصحابها، نتيجة جهلهم بقيمة الاعطاب الحاصلة بها وبعالم الالكترونيك بشكل عام. ولعل الغريب في هذ الجانب أن الكل أصبح يدلي بدلوه في هذه المهنة، ويتصرف في الهواتف التي ترد عليه، وفي اصلاحها كما شاء وذلك على حد المثل الشعبي القائل " يتعلم الحجامة في روس اليتامى" أو المثل الشعبي الآخر القائل "يمشي الجافل .. ويجي الغافل" ضحك على ذقون الناس واستهتار كامل بهواتفهم أين ما توجهت سواء داخل العاصمة أو ضواحيها.. وفي كل الاحياء الشعبية والراقية، وكذلك داخل الأسواق الموازية على غرار المنصف باي وزرقون والكوميسيون تطالعك لافتات دكاكين إصلاح الهاتف الجوال.. فالانتصاب من خلالها يبدو بسيطا ولا يتطلب تراخيص.. ولا يخضع لقوانين وشروط يحددها القانون، وكل ما في الامر الحصول على "باتيندة" لتعاطي هذا النشاط. إذن هي مهنة بسيطة لا تتطلب سوى بعض الأدوات من طرف متعاطيها، وشيء من اللباقة وحسن الكلام، وربما أدنى معرفة بعالم الالكترونيك.. أو باعتماد حاسوب وإرتباط بالانترنات لتسير الأمور على أحسن مايرام. وهكذا تدار الامور في نقاط إصلاح الهواتف الجوالة وتجمع الأموال حسب قدرة صاحبها ونهمه واستغلاله للناس.. أما اصلاح الهواتف فهو يسير عندهم حسب المثل الشعبي القائل "كعكاز الأعمى .. مرة في الظهر ومرة... "، حيث قل أن يكون إصلاحها طبقا لقواعد علمية وظوابط مهنية . وكيف يتم ذلك والفني الذي يصلحها جاهل بها وباصلاحها. حيث أن كل ما يقوم به من عمل ليس إلا ضرب من "البريكولاج" الذي لا يعمر معه هذ الجهاز سوى وقت قصير، أو ربما يفقد معه حتى بعض جوانبه الفنية نتيجة ما يتعرض له من اخلالات في جهازه السليم من طرف هؤلاء "الفنيين" الذين يدعون المعرفة في المجال وهم لا يفقهون منها أي شيء. خلافات.. مشادات وشكاوى تظهر في كل يوم وساعة الغريب في أمر أصحاب نقاط إصلاح الهواتف الجوالة أنهم لا يعترفون بالقانون وشروط الخدمات التي تجمع بين حريف ومهني.. ولا يعيرون لأصحاب هذه الهواتف وممتلكاتهم أي وزن.. فتراهم يوهمون أصحابها باصلاحها في وقت وجيز.. لكن كثيرا ما تطول مدة اصلاح الهاتف لديهم.. ويغيب الهاتف أحيانا أو يعود لصاحبه في حالة يرثى لها. أما مستوى العطب ومتطلباته والقيمة المالية لاصلاحه فهي تخضع للأهواء ولامكانيات الحريف.. ولسنه وجنسه وغيرها من الامور التي لا تخطر على بال. ولعل ما بات متعارفا عليه لدى عامة الناس بخصوص نقاط اصلاح الهواتف الجوالة هو غياب الضمانة.. وإمكانية التلف، والعبث بالهاتف، وتغيير محتواه الداخلى. ولذلك بات العديد منهم يصر على إصلاح هاتفه بحضوره، وعلى مرءى منه. ولو فتحنا سجل معظم نقاط اصلاح الجوال وأصحابها لوجدناها مليئة بالاخلالات وبالخصومات مع الناس، وبالتشكي لدى مراكز الامن وحتى القضاء.. وطبيعي جدا أن يحصل كل هذا مادام هؤلاء ينتصبون دون قانون يضبط نشاطهم ويحدد مؤهلاتهم.. فشأنهم في هذا النشاط وتعاطيه شأن عديد المهن الأخرى المهمشة التي تسير على هامش الواقع الاجتماعي والاقتصادي والتجاري في البلاد. لقد سبق أن وقعت الإشارة الى ضرورة تنظيم هذه المهنة وتحديد مستوى متعاطيها واختصاصهم ومؤهلاتهم.. وأفادت مصادر من وزارة التجارة والصناعات التقليدية أن تعاطي هذه المهنة سيخضع عما قريب الى كراس شروط، تحدد من خلالها طريقة وشروط الانتصاب في هذا المجال، والشروط التي يجب أن تتوفر في متعاطيها، لكن ومنذ السنة قبل الفارطة لم يظهر ما من شأنه أن ينظم هذا النشاط الذي ما انفك يتزايد وتتزايد معه مظاهر الغش والتحايل. فهل يتم تنظيم هذا القطاع الذي أصبح يحتل مكانا في الحركة النشيطة للتجارة والصناعة في البلاد، ولا يمكن الاستخفاف به وبتطوره كمهنة من بين المهن داخل المجتمع؟