تونس الصباح: اتسع مجال استعمال التجهيزات الإلكترونية بشكل بارز في تونس، وتعددت استعمالاتها في عديد القطاعات، وأقبل عليها المواطن بشكل كبير، ففي المنزل تتعدد الإلكترونيات مثل أجهزة التلفاز وآلة الغسيل والثلاجة، والحاسوب وغيرها من الأدوات التي تستعملها العائلات على نطاق واسع جدا في حياتها اليومية. كما إتصل استعمال الأجهزة الإلكترونية بالحياة الخاصة للفرد حيث أصبحت نسبة استعمال الجوال مرتفعة جدا، ويشار أن هناك أكثر من 4 ملايين جهاز نقال مستعمل في البلاد. كما غزت الأجهزة الإلكترونية الإدارات، حيث مثلت الوسيلة الأولى في التعاملات اليومية داخلها، مما حولها إلى بديل واضح عن أجهزة الكتابة التقليدية مثل القلم، وجعلها أيضا تزحف عن بقية النشاطات لتستقطبها في حاسوب أو آلة ناسخة أو سكانير أو غيره من الأدوات الأخرى التي أصبح حضورها ضروريا ويتوقف عليها النشاط في مجمل الأحوال. هذا الواقع الجديد أفرز استعمالا مفرطا للأجهزة الإلكترونية، على اختلاف أنواعها، وطفرة هامة في الإقبال عليها، مما فسح المجال لأنشطة حديثة في السوق تتصل على وجه الخصوص بإصلاح ما يتعطب منها. فكيف يجري التعامل في مجال إصلاح هذه الأجهزة الحساسة؟ وهل تتوفر الكفاءة لدى الناشطين في هذا المجال؟ وهل توفر الإطار القانوني لهذا القطاع الذي ما انفكت تتسع دائرته لتأخذ طابعا شموليا في كل الجهات؟ وماذا تترقب سلط الاشراف لتحيطه بالعناية والتأطير وتلزم متعاطيه بكراس شروط في الغرض، خاصة وأن بعض المشاكل قد بدأت تظهر داخله؟ استعمال واسع للأجهزة الإلكترونية في كل المجالات بعد أن توفرت التجهيزات الإلكترونية في تونس، وأصبح الإقبال عليها كبيرا، بات استعمالها في متناول كل الأفراد والفئات الاجتماعية، كما اتصل استعمالها بكل أوجه الحياة ومتطلبات المرحلة على اعتبار أن الجهاز الإلكتروني أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ولعل ثقافة التونسي وارتفاع نسبة التمدرس، واتساع الطبقة الاجتماعية الوسطى، قد جعلت الأجهزة الإلكترونية في أحدث ما ظهرت عليه تصل إلى تونس قبل غيرها من البلدان، وهو ما سمح في ظرف وجيز بالبراعة في اعتمادها واستعمالها لدى كل الفئات العمرية في البلاد. ومن الطبيعي أن يحصل ذلك مادام التشجيع على التعامل مع أنواعها في متناول الجميع، وهناك تشجيع رسمي على ذلك (الحاسوب مثلا) مادام هذا التوجه يمثل ضربا من التطور العلمي والاقتصادي والاجتماعي، ويعكس بشكل بارز المستوى الثقافي للتونسي أينما كان ومهما كانت سنه. وليس من الغريب أن يكون التونسي متقدما في مجال التعامل مع كل أنواع الأجهزة الإلكترونية، وماسكا بزمام تطوراتها ومطلعا على آخر ما ظهر منها، وراغبا في التعامل معها باقتدار كامل، وهو أمر نلاحظه بمجرد الإطلاع على ما يعرض في السوق من أنواع هذه التجهيزات من ناحية، وبمجالات التطور أيضا في صناعة بعضها وخاصة منها البرمجيات المتصلة بالقطاع الاتصالي على اختلاف مشاربه وأنواعه. مخلفات لا تخلو من السلبية عبر هذا التمشي هذا التوجه الواسع في مجال استعمال الأجهزة الالكترونية خلف بعد كل هذه السنوات سلبيات وصعوبات من نوع آخر، تتمثل بالأساس في ظهور مدخرات من الإلكترونيات المعطبة، أو التي تجاوزتها سرعة الصناعات في هذا المجال. وباعتبارنا بلدا مستهلكا فقط للأجهزة الإلكترونية وليس من البلدان المالكة لناصية صناعتها، فقد خلف هذا الاستعمال المفرط لهذه التجهيزات، وخاصة العديد من أنواعها غير باهظة الثمن ركاما من الأجهزة المعطبة ما انفك حجمه يتسع سنة بعد أخرى، ويتزايد حجما وقيمة. هذا الواقع أفرز قطاعا جديدا ومهنا لم تكن معهودة في البلاد، تمثلت في انتشار نشاطات تتصل بإصلاح هذه التجهيزات لعل أبرزها ما له علاقة بإصلاح الهواتف الجوالة والحواسيب وغيرها من الأجهزة الأخرى ذات البعد الإلكتروني. فكيف ظهر هذا القطاع وماذا عن حجمه وتناميه؟ وهل قام على أسس صحيحة ويباشره اختصاصيون في المجال؟ متطفلون على القطاع يسدون خدمات في الغرض إن حساسية الأجهزة الإلكترونية ودقتها جعلاها عرضة للأعطاب والتلف مما ساهم في إنطلاقة الأنشطة المتصلة بإصلاحها وهو ما سمح للبعض بالتطفل وفتح محلات للنشاط في هذا الغرض، وشيئا فشيئا تنامت الظاهرة واتسعت دائرتها، وأصبح هذا النشاط مهنة تمارسها فئة واسعة من المواطنين الذين لم يتلقوا ولو تدريبا بسيطا في الغرض ولم يكونوا في معظمهم من خريجي مؤسسات تقنية أهلتهم للعمل في هذا المجال طبق سنوات دراسة أو حتى تكوين مهني مختص كانوا قد تلقوه. ولعل العديد من الذين بادروا بفتح محلات لتعاطي هذا النشاط قد استغلوا الفراغ التشريعي والقانوني لتعاطي هذه المهنة، فأدلوا بدلوهم فيه موهمين من يقبل عليهم ببراعتهم في ذلك، لكن الحقيقة أنهم كانوا جاهلين بالمجالات الإلكترونية، وهم بمثابة " من يتعلم الحجامة..". واليوم نلاحظ إنتشار هذا النشاط واتساع دائرته، حيث قل أن تتردد على مكان أو شارع أو جهة دون أن تجد فيه محلا من هذا القبيل، يعمل صاحبه في واضحة النهار وعلى مرآى ومسمع من الجميع دون أن تكون له رخصة ومؤهلات لتعاطي هذا النشاط. وهكذا أصبح هذا النشاط حرفة من الحرف البارزة في الأسواق والبلاد دون أن تكون لمتعاطيه تراخيص للانتصاب ومسؤولية يتقيدون بها تجاه القانون أولا وتجاه من يتعاملون معهم ثانيا. وتواصل منذ سنوات الحبل على الغارب رغم ما يظهر يوميا من إشكاليات تصدر على العديد من متعاطي هذه الحرفة التي لا يقيدها أي قانون، ولم يقع احتوائها بشكل أو بآخر ضرورة تنظيم هذا القطاع وإخضاعه لشروط واضحة قد تكون البدايات المحتشمة والمحدودة لنشاط إصلاح الأجهزة الإلكترونية على اختلاف أنواعها، وظهورها كحرف في السوق، لم تكشف بداية على التطورات التي عرفتها اليوم ولم تبرز المشاكل التي انجرت عنها، والتي باتت تتفاقم بشكل بارز، ويصل بعضها حد المحاكم، لكن والحال كما هي عليه اليوم تستدعي فتح ملف هذه الظاهرة والتعامل معها بشكل جدي وطبق قوانين واضحة توضع في الغرض. ونعتقد أنه قد آن الأوان لوضع كراس شروط في الغرض يحدد شروط تعاطي هذه الحرفة، وينظمها ويضمن حقوق كل طرف. وهو على ما نعتقد أمر أساسي على اعتبار حجم قطاع الإلكترونيات والتعامل معها وحضورها في السوق. ولعلنا نذهب مع الموضوع إلى ما هو أبعد من هذا لنؤكد على ضرورة فتح مجالات التكوين المهني في هذا الغرض، ولم لا تكوين جامعي واختصاص، يكفل الارتقاء بهذه المهنة ويطورها، خاصة وأن التعاطي مع الأجهزة الإلكترونية لن يتوقف بل سيأخذ مستقبلا بعدا ربما أوسع وأدق ويتصل بمجالات صناعية وتنموية واسعة تفرض السيطرة على الأجهزة والتعامل معها بشكل علمي دقيق.