اقتراح «أنموذج تفاوضي جديد»... وهذه شروطه وآلياته وطريقته تونس/الصباح: في خطوة هي الاولى من نوعها اقترح الاتحاد العام التونسي للشغل «تجديد الحوار الاجتماعي»، عبر ايجاد صيغة جديدة للمفاوضات الجماعية.. ويأتي مقترح المنظمة الشغيلة، بعد نحو ثلاثين عاما من انشاء الاتفاقية المشتركة الاطارية والاتفاقيات المشتركة القطاعية، ومرور حوالي 18 عاما على الجولات التفاوضية المتتالية منذ العام 1989.. واوضح اتحاد الشغل في دراسة جديدة حول «نتائج المفاوضات الجماعية في القطاع الخاص وآفاق تطويرها»، حصلت «الصباح» على نسخة منها، أن «المكانة الممنوحة للسياسة التعاقدية في مجال التنمية الاقتصادية غير كافية»، مشيرا الى ان المفاوضات الجماعية، ظلت «مقتصرة على انتاج التشريع الاجتماعي».. تغيير سياق المفاوضات.. وحذرت المنظمة الشغيلة في هذه الدراسة التي اعدها قسم الدراسات والتوثيق وقدم لها السيد محمد السحيمي الامين العام المساعد لاتحاد الشغل، من استمرار الحوار الاجتماعي «في انتاج التشريع الاجتماعي فحسب»، واقترحت على الشركاء الاجتماعيين في هذا السياق، «وضع برامج مشتركة ترفّع ادماج الحوار الاجتماعي في واقع عالم المؤسسات والشغل الى الحد الاقصى»... واعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل بأن التحدي الحقيقي الذي يتوجب رفعه اليوم هو «جعل المفاوضات الجماعية، وسيلة تنتج في الوقت ذاته التشريع الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية» ما يستوجب «تطوير المفاوضات الجماعية على كل المستويات»، بما في ذلك طرق عمل الشركاء وكفاءات المفاوضين التقنية، ووسائل تطبيق الطرق الجديدة وتصرفات الفاعلين.. اللافت للنّظر في مقاربة النقابيين لمسألة تجديد الحوار الاجتماعي وتطوير صيغة المفاوضات الجماعية، قناعتهم بضرورة توفر قواسم مشتركة بين مختلف الشركاء الاجتماعيين، بينها التمسك بحرية ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسات، باعتباره ضمان التعبير والحفاظ على حقوقهم بالنسبة للأجراء، وعامل تماسك واستقرار، وبالتالي نجاعة اقتصادية بالنسبة للمؤجرين.. الى جانب ضرورة استمرار «التشاور بين المؤجرين والعمال»، لانه الحل العملي لمواجهة المشكلات التي تخلقها العولمة، والتي كثيرا ما تؤدي الى النزاع.. وألح اتحاد الشغل ضمن تطرقه الى هذه القواسم المشتركة على «مبدأ تنافسية المؤسسة»، لكنه شدد على ضرورة «أن تفهم بمفهومها الواسع، الذي يدمج المعطيات الاقتصادية والاجتماعية على حد السواء».. أنموذج تفاوضي جديد.. وحتى لا يكون مقترح الاتحاد العام التونسي للشغل نظريا ومن قبيل «تسجيل موقف» يوضع في خانة المزايدة الاجتماعية والسياسية، اقترح التمييز بين ثلاث فترات في عملية التفاوض والحوار الاجتماعي: * الفترة الاولى تسبق طور مراجعة الاتفاقيات المشتركة.. حيث يدعى الشركاء الاجتماعيون الى اجراء تشخيص متقاسم للمسائل الخلافية من أجل التوصل الى «حلول توافقية»، توضع على اثرها خطة عمل مشتركة لتكريس تلك الحلول التوافقية.. * الفترة الثانية تأخذ فيها الحلول التوافقية التي يتم التوصل اليها، «صفة القانون الاجتماعي رسميا».. * أما الفترة الثالثة فتخصص وفق مقترح اتحاد الشغل لتطبيق خطة العمل المشتركة، والتقييم الموضوعي لنتائجها وهو ما يفترض حسب المنظمة الشغيلة دائما تجديد مسار التفاوض المشترك».. شروط وآليات.. ومن أجل انجاح هذه الصيغة الجديدة للحوار الاجتماعي وللمفاوضات الجماعية، وضع اتحاد الشغل في هذا السياق، جملة من الشروط، في مقدمتها القيام بتحليل المشاكل التي تشغل الاطراف المعنية، «ضمن مجموعة عمل ثلاثية».. على أن يتولى الخبراء الذين يتم تجنيدهم لهذا الغرض، القيام بتحليل موضوعي للمشاكل، واقتراح حلول توفق بين مصالح جميع الشركاء، وذلك قبل تحويل هذه المقترحات الى خطة عمل ثلاثية، بدعم من الخبراء.. ويرى اتحاد الشغل ان من شأن هذه الطريقة، «اضفاء شفافية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي»، و«الحصول على تشخيص مشترك للمشاكل وبلوغ حل توافقي لها»..لكنها تتيح في ذات الوقت «الخروج من منطق النزاع الذي لا يزال كثير الحضور في علاقات الشغل».. وتشدد المنظمة النقابية في هذا الاطار، على ما تسميه ب«دور الدولة المركزي لمصاحبة الشركاء الاجتماعيين ومساعدتهم على بناء هذا الانموذج التفاوضي الجماعي الجديد» بل ان على الدولة وفق رؤية النقابيين «ضمان تمويل طريقة العمل المقترحة لتجديد مسار التفاوض الجماعي، ومواصلة اعطاء الحلول التوافقية التي ينتهي اليها الشركاء الاجتماعيون، سلطة القانون»، باعتبارها (الدولة) الناظم الوحيد للحوار الاجتماعي. ولاحظ اتحاد الشغل ان التمشي المقترح لتجديد المفاوضات الجماعية، من شانه «تجنب المعالجة المتسرعة للنزاعات»، و«عدم انطواء المنظمات المعنية بالتفاوض على مواقفها بما يؤدي الى المأزق».. وأقر الاتحاد في نفس السياق بان «تراكم الحلول غير الملائمة للمشكلات، يفرز الجمود في عديد القطاعات ويضر بالتالي بنجاعة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والسؤال المطروح بعد هذه المقاربة النقابية لمسألة «الانموذج الجديد» للحوار الاجتماعي الذي اقترحه اتحاد الشغل، هو: كيف سيواجه اتحاد الصناعة والتجارة هذا التصور الجديد للحوار الاجتماعي وللمفاوضات الجماعية؟ وما هو رأي الحكومة؟ الجدير بالذكر ان «الصباح» كانت دعت قبل نحو اسبوعين الى الضرورة الملحة لتطوير اسلوب المفاوضات الاجتماعية، وهو المقال الذي اثار ردود فعل مختلفة في الاوساط النقابية وصلب منظمة الاعراف، بل حتى داخل الحكومة، فيما تأتي مقاربة اتحاد الشغل لتؤكد ما كنّا انفردنا باقتراحه والدعوة اليه..