كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    هيئة الأرصاد: هذه المنطقة مهدّدة ب ''صيف حارق''    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر جديدة في غزة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننتظر من الحكومة إعطاء دفع جديد لمسار الحوار
في حديث خاص ب«المستقبل» الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل:
نشر في الشعب يوم 26 - 01 - 2008

أجرت الزميلة جريدة «المستقبل» لسان حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، حوارًا مطوّلا مع الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل في عددها 8 الموافق ليوم السبت 19 جانفي 2008.
ولأهميّة الحوار ننشره كاملا تعميما للفائدة.
الشوق والتشويق هما ميزتان دائمتان للحديث مع الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، الذي التقيته بمكتبه الكائن بنهج محمد علي «البطحاء» على حدّ تسمية النقابيين والشغالين.
كان حديث الصراحة والواقعية والموضوعية، حديث مكشوف ونقي نقاوة صاحبه، أثار خلاله الأخ عبد السلام جراد الملفات والقضايا التي تشغل باله الذي يتّسع شواغل جميع الشغالين.
... عمق في التحليل ودفاع مستميت عن قضايا الشغيلة بكل واقعية ومسؤولية معتبرا دائما المصلحة العليا للوطن في المقدمة ومصلحة المواطن التونسي كأولوية.
الأخ عبد السلام جراد شخصية ذكية، صاحب مبادئ وقيم سامية، واسع الاطلاع، مدرك لخفايا الأمور، نزيه... صفات وخصال كبيرة يتحلّى بها هذا الرجل، إضافة إلى الروح التلقائية والمزاج المرح...
كان لقائي به فرصة هامة حيث عبّر لي عن سروره بالحديث لجريدة «المستقبل» لسان حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومن خلالها إلى مناضليها وإلى كلّ الشغالين بالفكر والساعد... أهم القضايا طرحناها على الأخ الأمين العام، وكانت إجاباته واضحة وصريحة تقرؤونها في هذا الحديث.
هذا، ولم يخل الحديث الجانبي عن الحياة السياسية والمجتمعية في البلاد حيث عاد بنا إلى أواخر السبعينات أيّام محاكمة النقابيين وموقف حركة الديمقراطيين المشرف والذي لا يمكنه نسيانه ووقوف الحركة إلى جانب «الاتحاد وقيادته» كما استعرض فترة الثمانينات أيّام محنة الاتحاد مكبرا المساندة الكبيرة مرّة أخرى للحركة وفتح صفحات جريدتها للنقابيين والشغالين لبسط مواقفهم وآرائهم...
كما حمّلني الأخ عبد السلام جراد ابلاغ تحيّاته وإكباره لمناضلي واطارات حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وعلى رأسهم الأخ الأمين العام اسماعيل بولحية راجيا مزيد التقدّم لهذه الحركة الوطنية الاصلاحية العريقة لما فيه خير هذا الوطن العزيز.
شهدت سنة 2007 أحداثا عديدة على المستوى الاقتصادي والتي كان لها تأثيراتها على الجانب الاجتماعي، كيف تقيّمون هذه السنة؟ وما هي حصيلة نضالات النقابيين؟

- إننا بصدد إجراء تقييم شامل لسنة 2007، وهي منهجية توخيناها منذ مؤتمر جربة التصحيحي، لقد أصبح التقييم والنقد الذاتي من أبرز مكوّنات الفعل النقابي، إيمانا منّا بأنّ مراجعة النفس والمساءلة والنقد الموضوعي هي لحظة مهمة لاستخلاص الدروس والتمييز بين الإيجابي والسلبي في مسيرتنا.

إنّ الارتجال هو أكبر خطر يهدّد حياة المنظمات والحركات الاجتماعية والسياسية ، لذلك نحرص دوما على تأطير هياكلنا النقابية وحفزها على تقييم نشاطاها وتبويب أهدافها ومراجعة طرق عملها لمواكبة المستجدات والتناغم مع مشاغل منخرطيها والإسهام في إثراء مسيرة النضال النقابي الوطني.

ولعلّ من أهم خصائص سنة 2007 أنها كانت منطلقا لتكريس قرارت وتوجهات مؤتمرنا الوطني بالمنستير. لقد باشرنا العمل مدعومين بزاد معرفي وتقييمي شامل للمسيرة النقابية ولمجمل قضايا التنمية وتحديات المرحلة الجديدة.

على الصعيد الداخلي، واصلنا تعميق المسار التصحيحي وكسبنا رهانات هامة في مقدمتها تدعيم وحدة الصف النقابي وتنمية الحياة الديمقراطية صلب المنظمة وترسيخ الاستقلالية النقابية وتعصير طرق التسيير الإداري والمالي، لقد وضعنا الحجر الأساسي لبناء دار الشغالين الجديدة وسنشرع قريبا في إنجاز الأشغال وتحقيق هذا الحلم التاريخي، كما توفقنا إلى صيغة لتسديد ديون نزل أميلكار وردّ الاعتبار لهذا المعلم السياحي المميز، وواصلنا بناء دور الاتحاد جهويا ومحليا.

وبالتوازي مع نسق الإصلاح الرامي إلى تحديث آليات العمل النقابي وتطوير بنية المنظمة وهيكلتها والذي تدعّم بتنقيح النظام الداخلي للاتحاد، وجهنا اهتمامنا لتثبيت مكانة الاتحاد العامل التونسي للشغل في الداخل والخارج والدفاع عن مصالح الشغالين طبقا للوائح مؤتمر المنستير.

وبما أن المجال لا يسمح بتعداد المكاسب التي حققناها والتحديات التي واجهناها خلال السنة المنقضية، وإذا ما أردنا اختزال هذه الفترة في بعض العناوين، فإني أقول بأن الاتحاد العام التونسي للشغل جدّد العهد مرة أخرى مع رهان استعصى على الكثير من النقابات والحركات السياسية في العالم، وأعني به رهان الوحدة والتنوع. إننا إزاء متناقضين يصعب التوفيق بينهما، كيف يمكن الجمع بين هذا الزخم من التعبيرات والحساسيات والتيارات ضمن وعاء تنظيمي موحد وحول أرضية مشتركة؟ لقد تخطينا امتحان المنستير بنجاح، وخرج اتحادنا موحّدا وقويّا برغم حماسة الأجواء وشدّة التنافس الانتخابي. إنها معجزة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ينمو بالديمقراطية ويتحدّى لعنة الانشقاقات والتراشق بالتهم التي ترافق مؤتمرات العديد من المنظمات والحركات في العالم وتعصف بوحدتها وهيبتها.

وقد حرصنا على تسخير هذا النجاح لخدمة قضايا الشغالين والبلاد وتوفقنا في الحدّ من الآثار السلبية للعولمة وسياسات الانفتاح الاقتصادي الليبرالي وتصدينا للغلق العشوائي لبعض المؤسسات وتسريح العمال وحافظنا على حقوق الشغالين في عمليات الخصخصة ورفضنا المناولة باليد العاملة وأكّدنا حقنا في المشاركة في إصلاح النظام الصحي والتعليم والجباية ومنظومة الضمان الاجتماعي والتقاعد ووفقنا بحزم إلى جانب المطالب الخصوصية لبعض القطاعات.

وبقدر تمسكنا بخيار الحوار الاجتماعي وضوابط الاحترام المتبادل بين مختلف أطراف الإنتاج فقد عارضنا بشدة كل محاولات النيل من جدية هذا الحوار ومصداقية التفاوض وغيرها من التجاوزات التي تتنافى مع مبادئ الحرية النقابية وتسيء لسمعة البلاد، كما حرصنا على تعبئة هياكلنا حول ثوابت المنظمة وقوانينها الداخلية والإحاطة بنضالاتها المشروعة بعيدا عن الممارسات الفئوية الضيقة وغيرها من الشعارات وأشكال التوظيف ومظاهر الفوضى التي لا تمت بصلة للعمل النقابي ولا تلزم النقابيين لا من قريب ولا من بعيد.

لقد ناضلنا طيلة سنة 2007 طبقا لما يمليه علينا ضميرنا النقابي والوطني وساهمنا في دعم منظومة الحوار وتدعيم مكاسب شعبنا واستقرار البلاد، وإني أتوجه بالتحية لكل من ساند وتفهّم نضالات الاتحاد وفي مقدّمتهم الرئيس زين العابدين بن علي الذي ظل، وكما عهدناه منذ التغيير، خير سند للاتحاد العام التونسي للشغل وخير منصف للشغالين.

* علمنا أنه بدأ الاستعداد للمفاوضات الاجتماعية، ما هي ملامحها؟

- لقد انطلقت الاستعدادات للجولة القادمة من المفاوضات الاجتماعية منذ أشهر وتقدّمت هياكلنا بمقترحاتها ومشاريعها في الإبان، وتنكبّ حاليا مختلف الأقسام المعنية ومجامع القطاع الخاص والعام والوظيفة العمومية على توفير الدراسات والمراجع القانونية وتهيئة النقابيين واللجان التفاوضية لخوض الجولة السابعة من المفاوضات الاجتماعية في أفضل الظروف، وهي جولة ستنطلق قريبا بعد التوقيع على الاتفاقية الإطارية العامة.

ودون استباق الأحداث وبعيدا عن التحاليل والتكهنات المتشائمة التي يروّج لها البعض بدعوى الصعوبات الاقتصادية العالمية وبخاصة ارتفاع أسعار المحروقات والمنتوجات الفلاحية، فإني أود التذكير بنجاح الجولات التفاوضية الست الماضية برغم ما حفّ بها من صعوبات ظرفية، لقد خضنا معظم تلك الجولات وسط ضغط كبير يحذر من عواقب الترفيع في الأجور على الاقتصاد الوطني بل ذهب البعض أحيانا إلى حد المطالبة بتعليق التفاوض لمجابهة المستجدات الطارئة وحماية الاقتصاد من دوامة التضخم ولكننا نجحنا في تفنيد هذه النزعة التشاؤمية التي تتستّر ورائها بعض الأوساط الليبرالية المجحفة وكسبنا الرهان ست مرات متتالية، فهذا النجاح ليس استثناء وليس صدفة بل هو قاعدة تعكس التزام كافة الشركاء الاجتماعيين بخيار الحوار الاجتماعي وبحتمية توزيع منافع النمو.

ولقد أثبتت الأحداث سلامة هذا الخيار حيث أن الزيادات السنوية في أجور الشغالين ساهمت في تحقيق نسب منتظمة في النمو الاقتصادي، علاوة على أغراضها الاجتماعية الرامية إلى تعزيز العدل والاستقرار الاجتماعي، وهما شرطان ضروريان لتأمين الاستقرار السياسي ودعم الجبهة الداخلية.

لذلك لا أرى موجبا لتهويل بعض الصعوبات الاقتصادية أو غيرها من التحديات الناجمة عن دخول بلادنا هذه السنة منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي. ولا نرى أي علاقة مباشرة بين ارتفاع أسعار النفط ومفاوضات الأجور. لأن قضية المحروقات تتحمّلها المجموعة الوطنية برمتها، في إطار تضامني شامل، ولا يمكن تحميل تبعاتها لشريحة اجتماعية دون غيرها.

إن اقتصادنا الوطني ينمو باطراد وأثبت قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والصعوبات الطارئة، ولا أعتقد أن هناك من ينكر أن الجولات التفاوضية السابقة كانت أحد أسباب ازدهار المؤسسات واستقرار المجتمع، لذلك نحن نستعد اليوم للجولة القادمة بجانبيها المادي والترتيبي وكلّنا عزم على إنجاحها وتحقيق نتائج ومكاسب تفيد الشغالين وتنفع البلاد.

* في ظل الارتفاع المشط للأسعار، هل تعتقدون أن المفاوضات لثلاث سنوات دون تعديلات أمر معقول؟

- إن خيار المفاوضات الاجتماعية لثلاث سنوات هو خيار يحظى بتأييد كافة الشركاء الاجتماعيين، وقد انخرطنا فيه منذ سنة 1990 باعتباره الآلية الملائمة لتأمين زيادات سنوية منتظمة في أجور الشغالين وتحسين مقدرتهم الشرائية باستمرار، هذا الخيار هو محل متابعة من طرف العديد من النقابات الشقيقة والصديقة لأنه ليس من السهل دعوة أطراف الإنتاج إلى التفاوض كل سنة، بل غالبا ما تتحول هذه الدعوات إلى مواجهات وتوترات عقيمة لا تعود بالفائدة لا على الشغالين ولا على المؤسسات مثلما يحدث في العديد من البلدان المتقدمة منها والنامية.

لقد اخترنا صيغة التفاوض كل ثلاث سنوات اقتناعا منا بأن إيجابياتها تفوق بكثير سلبياتها، فهي عنوان لشراكة تضمن إعادة توزيع الثروة وتأمين حق الشغالين في الحصول على نصيبهم من ثمار النمو بشكل مسترسل كما تتيح لأطراف الإنتاج التفرّغ لدفع مسار التنمية، هذا هو الأساس الذي ينبني عليه هذا الخيار، لكن هناك عوامل طارئة قد تدفع البعض إلى التشكيك في سلامته ومنها الارتفاع المشط في الأسعار علاوة على المطالب الخصوصية لبعض القطاعات، ولكنها عوامل لا تمس من جوهر هذا الخيار إذا ما التزمت جميع الأطراف بجملة من الضوابط وفي مقدّمتها الضغط على الأسعار حتى لا تفقد الزيادات في الأجور مفعولها الحقيقي. وفي هذا الإطار طالبنا ولا نزال بتنظيم لقاء سنوي بين الشركاء الاجتماعيين لتقييم المستجدات تجنبا لكل التوترات وتفاديا لتدهور المقدرة الشرائية للشغالين إلى جانب مطلبنا الملح بضرورة تحيين المنح الخصوصية حتى لا تبقى جامدة لسنوات طويلة.

ولقد أصدرنا مواقف نبهنا فيها من خطورة الارتفاع المشط في الأسعار كما دافعنا بحزم عن مشروعية بعض المطالب الخصوصية القطاعية التي لا علاقة لها بالدورات التفاوضية الكبرى، لكن دعني أكون صريحا معك، فنحن في الاتحاد العام التونسي للشغل لا نعتبر الترفيع في الأجور عنصرا كافيا لتأمين العدالة الاجتماعية فهناك عناصر أخرى هامة من بينها تعميق الإصلاح الجبائي وإحكام تنظيم مسالك التوزيع ومقاومة الاحتكار والمضاربات وقيام الدولة بدورها التعديلي في السوق المحلية والنهوض بالقطاع الفلاحي لتأمين الاكتفاء الغذائي، إلى جانب تعزيز دور صندوق الدعم وتوفير الدخل القار للفئات المحتاجة وتسريع وتيرة التشغيل وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية وغيرها من العناصر التي تستوجبها التنمية المتوازنة.

هذه هي فلسفتنا الاجتماعية الرامية إلى دعم أسباب العدالة ولا يمكن اختزالها في بعد واحد برغم أهميته وأعني به المفاوضات الدورية، وهو ما يفسر مطالبتنا المستمرة بتقنين الحوار وتوسيع آلياته ومجالاته لتشمل كافة العناصر التي ذكرتها، علما وأن مجلة الشغل تنص على تكوين لجنة دائمة للحوار الاجتماعي لمتابعة المستجدات ومعالجة التوترات وتعميق النظر في تشريع العمل التونسي وملاءمته مع التشريع الدولي وغيرها من الملفات الاجتماعية، وقد طالبنا وزارة الشؤون الاجتماعية في عديد المرات بالإسراع بتركيز هذه الآلية لملء الفراغ الراهن في منظومة الحوار.

* تعيش بعض القطاعات على غرار التعليم بمستوياته أوضاعا غير مستقرة لتعنت الإدارة حسب النقابات، هل من تفسير لذلك، وما هو موقف الاتحاد؟

- صحيح أن قطاعات التعليم استقطبت الأنظار خلال السنة المنقضية، غير أنه ليس هناك ما يدعو إلى التهويل، فنقابات التعليم لها مطالب خصوصية مشروعة، وقد احتضنا هذه المطالب وساندنا نظالات الأستاذة والمعلمين والجامعيين والمتفقدين ومختلف الأصناف التربوية، كما واجهنا الحملات الإعلامية التي سعت إلى التشكيك في مشروعية هذه المطالب وتشويه نضالات نقابات التعليم ودعونا وزارة التربية والتكوين إلى التفاوض مع نقابات التعليم في كنف الجدية والاحترام المتبادل، وقد جاء تدخل رئيس الدولة منصفا للمعلمين وأستاذة التعليم الثانوي بتمكينهم من منحة العودة تقديرا لجهودهم ودورهم التربوي.

وفي الواقع فإن الحوار بين وزارة التربية والتكوين من ناحية ونقابات التعليم وهياكل الاتحاد من جهة أخرى لم ينقطع تماما وإنما شهد تعثرات وتقلبات مزاجية وتراجعات من طرف الوزارة لا نفهم أسبابها، فنحن دعاة حوار وعندما نضرب عن العمل فإنما لتأكيد تعلّقنا بمطالبنا واحتجاجنا على تعطل الحوار.. ومثلما نرفض كل توظيف للاضرابات والنضالات النقابية لأغراض فئوية لا علاقة لها بمطالب المنخرطين ونتصدى لكل التجاوزات التي قد تتحدث أثناء الاضرابات والتجمعات، فإننا نرفض أيضا لغة التلميح والتجريح وغيرها من مظاهر المماطلة والتعنت الإداري والتنصل من تطبيق الاتفاقيات المبرمة.

وإذا ما أردنا استخلاص الدروس من هذه العلاقة المضطربة التي سادت بين الوزارة ونقابات التعليم، فإني أقول أن الحوار هو السبيل الوحيد لسد المنافذ أمام كل التجاوزات مهما كان مأتاها.

وفي هذا الإطار طالبنا وزارة التربية والتكوين بإيجاد حل لقضية الأساتذة المطرودين اعتمادا على ملفاتهم البيداغوجية والفنية من أجل تنقية الأجواء وإرساء علاقات تفاوض سليمة بين الوزارة ونقابات التعليم، ونحن نأمل أن تتفهم الوزارة الظروف الاجتماعية والإنسانية وغيرها من الملابسات التي تحف بهذه القضية وتسارع بإعادة الأستاذة المطرودين إلى سالف عملهم.

إما بخصوص التعليم العالي، فإننا لا نفهم الانفراد بالرأي وانعدام التشاور في قضايا تهم مستقبل الجامعة مثل مشروع القانون التوجيهي الجديد للتعليم العالي وغيرها من المطالب الخصوصية للجامعيين، وإني أدعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى استخلاص الدروس من كل ما سبق والإسراع بفتح حوار جدّي ومنتظم مع الجامعة العامة لأستاذة التعليم العالي بما يعود بالفائدة على الجامعة التونسية ويضع حدا لكل التأويلات والتجاوزات التي تنال من مصداقية الحوار الاجتماعي ومكانة الاتحاد العام التونسي للشغل وتقود إلى متاهات لا تخدم مصلحة البلاد.


* يعيش القطاع الخاص صعوبات، غلق مؤسسات، طرد دون انذار، طرد تعسفي، حرمان من الأجور، ما هو موقفكم كقيادة، وما هي خطتكم لمجابهة هذا الوضع الخطير؟

- نحن لدينا مآخذ كثيرة على ما يحدث في القطاع الخاص من تجاوزات وانتهاكات لمعايير العمل وقوانين الشغل لكننا لا نضع هذا القطاع برمته في قفص الاتهام، بل نحن نقدّر دوره التنموي وجهوده لدعم الاستثمار والتشغيل.

لقد تخطينا منذ مدة طويلة ذلك الجدل العقيم حول طبيعة المؤسسة وملكية رأس المال ولا توجد لدينا أفكار مسبقة تجاه أصحاب العمل فهم مستثمرون ومشغّلون تماما مثل القطاع العام ومؤسساتهم هي مكاسب للمجتمع وللوطن نتعامل معها وكأنها ملك عمومي، ولكننا قد نختلف حول طرق تسيير وإدارة هذه المؤسسات وبخاصة كيفية التصرف أو التعامل مع رصيدها البشري. فنحن لا ننافس صاحب العمل في ملكيته للمؤسسة. ولكننا نريده أن يحترم قانون العمل حتى لا يقترن هذا القطاع في أذهان الناس بسيادة شريعة الغاب. فما الذي يمنع هذا القطاع من احترام قوانين الشغل على غرار ما هو معمول به بشكل عام في المؤسسات العمومية.

إن الأمر يتعلق ببعض العقليات التي لم تواكب للأسف تطور مجتمعنا وبخاصة تعلق التونسيين بقيم الوسطية والتكافل ورفضهم التسلط والحيف والاستغلال الفاحش. فتونس ليست مثل تلك البلدان الآسيوية التي دفعت ثمنا اجتماعيا باهضا مقابل نموها الاقتصادي، ونحن نشمئز من المظالم الاجتماعية التي تشهدها هذه البلدان في غمرة الاقتصاد الليبرالي المجحف، ونرفض أن يكون العمل الهش وتسريح العمال وتقييد الحرية النقابية وعدم المساواة وخرق تشريعات العمل ثمنا للنمو والازدهار، فهذا ليس فقط مرفوضا نقابيا واجتماعيا بل هو توجه غير مرغوب فيه من قبل كل التونسيين.


لقد اخترنا معا نمط المجتمع المتوازن، وعلينا عوض الاستهتار بقوانين الشغل تنمية روح التكافل وتقاسم التضحيات والثروات. هذا هو باب النجاح الاقتصادي الحقيقي، وعليه فإن أدعو بعض أصحاب المؤسسات في القطاع الخاص إلى الابتعاد عن الغرور الليبرالي والإسهام في وضع ميثاق اجتماعي كفيل بحماية هذا القطاع من فوضى العولمة.

وبقدر تقديرنا للجهود التي يبذلها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية للحد من التجاوزات في هذا القطاع وتوعية أصحاب المؤسسات بضوابط الاستقرار الاجتماعي، وبرغم النجاحات التي حققناها في هذا المجال ومنها التصديق على الاتفاقية الدولية عدد 135 الخاصة بحماية المسؤولين النقابيين، فإننا نعتبر أن القطاع الخاص بحاجة اليوم إلى حوار اجتماعي مكثف ومتواصل لتغيير العقليات ووضع حد للتجاوزات التي يعيشها يوميا هذا القطاع، ومنها الغلق الفجئي للمؤسسات وعدم احترام الاتفاقيات المبرمة والعلاقات الشغلية الهشة والمتاجرة باليد العاملة والاعتداءات المتكررة على الحق النقابي.

لقد سعينا إلى تركيز نقابات في جميع مؤسسات القطاع الخاص إيمانا منا بأن الفراغ النقابي هو اكبر خطر يهدد المؤسسات. وفي الحقيقة لم نفلح في تحقيق هذا الهدف بسبب العقليات التي لا يدرك أصحابها عواقبها الوخيمة، وإني أتساءل لمصلحة من بقاء مئات الآلاف من العمال في هذا القطاع غير مؤطرين نقابيا؟ فهل نحن واعون بهذا المأزق؟ لقد سارعنا من جهتنا بإحداث مرصد وطني للحقوق والحريات النقابية لرصد كل الانتهاكات وتوفير الحماية لممثلي العمال، ونأمل ان تساعدنا هذه الآلية -التي نعتبرها كسبا لمنظومة الحوار الاجتماعي ببلادنا - على تغيير العقليات البالية وحفز أصحاب العمل في القطاع الخاص على الاحترام الكامل لتشريعات الشغل والمراهنة على العنصر البشري والتكوين والتأهيل المهني والتعاون مع النقابات في إطار عقد مهني وأخلاقي يضمن الاستقرار والازدهار للمؤسسة والطمأنينة وكرامة العيش للعاملين بها.

* على ضوء ما ذكر، كيف هي علاقتكم وكيف ستكون مع الحكومة؟ وهل من اتفاقيات في الغرض لامتصاص الغضب وإعطاء كل ذي حق حقه؟

- الاتحاد شريك اجتماعي مستقل ومنظمة وطنية عريقة وركن ثابت من أركان مجتمع الوفاق، هذا هو منطلقنا في التعامل مع جميع الأطراف والشركاء الاجتماعيين وهي الأرضية التي تنبني عليها علاقاتنا مع الحكومة. ولا فائدة في التذكير باستقلالية الاتحاد وعلاقات الاحترام المتبادل القائمة بيننا، فهذه مسألة محسومة منذ رد الاعتبار للاتحاد العام التونسي للشغل بعد التغيير.

ولكن علاقة الاتحاد بالحكومة لا يمكن اختزالها في بعد ضيق، ولا يمكن لأحد تجاهل الموروث التاريخي وخصوصية التجربة التونسية ودور الاتحاد في بناء تونس الحديثة وثقله الاجتماعي ومكانته في الساحة الوطنية.

لذلك نرفض كل تهميش لدور المركزية النقابية أو محاولة لحصر اهتماماتها في مشاغل مهنية محدودة، مثلما نرفض كل استقلالية تقودنا إلى الانعزالية.. نحن شركاء في بناء حاضر ومستقبل تونس ونريد إرساء توافق وطني متين على قاعدة المشاركة الواسعة في مناخ من الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات الأساسية، لذلك نحرص على توسيع مجالات الحوار الاجتماعي ليشمل مختلف قضايا العمل والتنمية، كما نطالب بتدعيم صلاحيات المجالس العليا وتفعيل الاستشارات الوطنية لتعزيز منظومة الحوار الوطني، ونحن ننتظر من الحكومة أن تعطي دفعا جديدا لمسار الحوار سواء مع الاتحاد العام التونسي للشغل أو مع بقية القوى الحية بالبلاد.

هذا الحوار هو خيارنا الوحيد لمجابهة تحديات سنة 2008 لما لها من تأثير كبير على مستقبل التنمية ببلادنا، ومنها المفاوضات الاجتماعية وتطبيق النظام الجديد للتأمين على المرض وتأهيل المستشفيات وتعميق الإصلاح التربوي والبحث عن حلول للوضعيات الحرجة التي عليها الصناديق الاجتماعية ومجابهة تداعيات منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي إلى جانب الاستعداد لخوض حوار وطني حول ملف التشغيل والموارد البشرية التي أذن رئيس الدولة بأن يكون محور استشارة وطنية واسعة خلال هذه السنة.

وإني على يقين أن معالجة هذه الملفات بروح وفاقية وبمشاركة كافة القوى الوطنية من شأنه أن يزيل كل مظاهر التوتر ويعزز ثقة التونسيين في مسيرتهم التنموية ويدفعهم إلى مضاعفة البذل لامتصاص صدمات العولمة ونبذ كل مظاهر التطرف والتمسك بنموذج مجتمعهم المتوازن.

* الاتحاد العام التونسي للشغل غير ممثل في مجلس المستشارين هل ستواصلون في هذا النهج أم أن هناك متغيرات ستحدث؟

- هذه المسألة تشغل بالنا، ويخطئ من يعتقد أن الاتحاد العام التونسي للشغل طوى نهائيا صفحة مجلس المستشارين. هل يعقل أن نقبل بالأمر الواقع ويظل الاتحاد غير ممثل في هذا المجلس التشريعي؟ هذه وضعية غير سليمة ولا تعود بالفائدة لا على مجلس المستشارين ولا على الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد كانت سببا في جدل واسع وحيرة في صفوف الرأي العام والنقابيين أنفسهم، إنها وضعية غير مفهومة ولا تستقيم على الأقل من ناحية المبدأ العام، كيف تغيب منظمة الشغالين عن مجلس تشريعي كانت هي السباقة في المطالبة بإحداثه؟ ولماذا تبقى خارج هذه المؤسسة البرلمانية وهي التي رفضت دوما كل تهميش لدورها ودافعت باستمرار عن حقها في التواجد بمختلف هيئات ومنابر الحوار الوطني؟

نحن لسنا راضين عن هذه الوضعية التي نعتبرها غير طبيعية، لأننا لم نقاطع مجلس المستشارين ولسنا من أنصار سياسة الكرسي الشاغر. ولا نفهم الاستقلالية النقابية على أنها عزلة وانزواء عن المجتمع المدني والسياسي، لقد تحفظنا على بعض الفصول التي لا تنصف الاتحاد العام التونسي للشغل ورفضنا بالخصوص طريقة انتخاب ممثلي الشغالين في هذا المجلس التي لا تتلائم مع استقلالية القرار النقابي.

ولقد أصدرت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد موقفها بوضوح من هذه المسألة، لكننا في الاتحاد العام التونسي للشغل تعوّدنا الدفاع عن مطالبنا والمثابرة في البحث عن حلول مرضية لها، وكل النقابيين يتطلعون إلى حل مناسب لهذه المعضلة، وأنا شخصيا أشعر بمرارة كلما تابعت مداولات مجلس المستشارين عبر وسائل الإعلام. وإني متأكد أن كل النقابيين والتونسيين يبادلونني نفس الإحساس ويأسفون لغياب صوت الشغالين عن هذه الغرفة التشريعية التي نادينا بها لتأمين حرمة الاتحاد العام التونسي للشغل وحمايته من الصراعات السياسية والتجاذبات الحزبية، ونعتبرها مكسبا تشريعيا هاما لبلادنا.

هذه الوضعية لا تناسب إرثنا التاريخي وتقاليدنا في السلطة التشريعية ولا تعكس ثقل الاتحاد ومكانته الوطنية، وهي حالة استثنائية لا يجب أن تطول لأنها ليست في مصلحة أي طرف.

إننا عازمون على إعادة فتح هذا الملف للتأكيد على أحقيتنا في التواجد بمجلس المستشارين وأملنا كبير في التوصل إلى حلّ ملائم ينصف المنظمة الشغلية ويعزز إشعاع الغرفة النيابية الثانية ويدعم منظومة الحوار الاجتماعي والوطني بالبلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.