غزة.. سقوط شهداء في غارة إسرائيلية على مدرسة    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الاطاحة بمنحرف خطير بجهة المرسى..وهذه التفاصيل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    استشهد 3 فلسطينيين برصاص الجيش الصهيوني في الضفة الغربية..#خبر_عاجل    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خيّرت الاستقالة من الجامعة العربية على مواصلة الكذب بأني أمثل سياسة عربية موحدة»
د.كلوفيس مقصود في حديث خاص ل«الصباح»:
نشر في الصباح يوم 30 - 05 - 2008

«اتفاق الدوحة لن يقضي على أسباب التوتر وعلى الحكومة اللبنانية القادمة أن تخطط للانتقال من الطائفية إلى تأمين المواطنة»
أمريكا فقدت دورها كوسيط مقبول
كلوفيس مقصود اسم لمع في اكثر من مجال داخل العالم العربي كما خارجه ومن عالم القانون والمحاماة والبحوث الجامعية الى الاعلام ومنه الى الديبلوماسية والسياسة فقد ترك كلوفيس مقصود بصماته وافكاره واضحة في اكثر من مجال وذلك طوال نحوخمسة عقود من العطاء
ولعل ذلك ما جعله يصنف العام الماضي ضمن قائمة اكثر مائة شخصية عربية مؤثرة في العالم العربي كان ولايزال وهو على عتبة الثمانين مصرا على مواصلة نشاطاته ورحلاته المكوكية بين اقطار العالم وامصاره واذا كان كلوفيس مقصود قد عرف بانه عربي الانتماء والهوية مسيحي الديانة فانه يبقى من اشد المدافعين عن الاسلام والحضارة الاسلامية واكثر المهوسين بالهوية العربية الاسلامية وهوما تؤكده كتاباته المتعددة ودراساته ومحاضراته عن الواقع العربي وعن الشرق الاوسط. اختار الاستقالة من منصبه كسفير للجامعة العربية لدى واشنطن والامم المتحدة بعد الاجتياح العراقي للكويت وبعد ان ادرك ان امكانية حل القضية عربيا امر فاشل...
عندما التقيته بالامس على هامش زيارته الى تونس تلبية لدعوة من معهد الدراسات الدولية الذي يتراسه السيد رشيد ادريس كان الدكتور كلوفيس مقصود استاذ العلاقات الدولية يستعد للسفر الى باريس ومنها الى لبنان قبل ان يعود الى واشنطن حيث يتولى ادارة مركز جورج تاون للدراسات العربية الحديثة بالجامعة الامريكية الذي كان وراء انشائه منتصف السبعينات... سالته ان كان مهتما بمنصب وزاري في الحكومة اللبنانية المرتقبة فرد بانه تلقى دعوة ولكنه غير معني بذلك فهو لا يريد ان يكون مقيدا ويعتقد ان عليه في مثل هذه المرحلة ان يقول مايريد وان يقول وما يتردد في ذهنه وهو الى جانب ذلك لن يترك الفرصة تمر دون ان يستذكر زوجته الراحلة هالة سلام مقصود الجامعية التي كانت دوما الى جانبه والتي خصصت لها جامعة جورج تاون كرسي هالة مقصود الى جانب كرسي كلوفيس مقصود اعترافا بجهودهما الكبيرة في مجال الدراسات العربية الحديثة. وفيما يلي نص الحديث الذي امتد من تطورات الازمة اللبنانية الراهنة الى المفاوضات السورية الاسرائيلة ومنها الى تقارير الامم المتحدة للتنمية البشرية وصولا الى ظروف وملابسات استقالته من الجامعة العربية في اعقاب احتلال الكويت...
* لو نبدا من لبنان هل تعتقدون ان اتفاق الدوحة حمل الحل المطلوب للازمة اللبنانية ام انه مجرد مخدر مرشح للزوال لتعود معه الالام من جديد؟
- اتفاق الدوحة برايي اكثر من مخدر بل حلحلة للوضع يبقى مرشحا للحل ولكن لا تزال اسباب التوتر قائمة ولم تعالج بما فيه الكفاية ولكن بوجود الرئيس سليمان فان لبنان استرجع السياسي البوصلة واعتقد ان تجرد هذا الرئيس من شانه ان يدفع وان بتدرج الحلحلة ونحوالحل وهذا يعود الى ان الرئيس سليمان كان طيلة الازمة التي تفاقمت اثناء قيادته للجيش اللبناني أظهر حيادا حال دون استمرار الانشطارات الطائفية وجعل من المؤسسة العسكرية عنصرا مرشحا للاسهام في اعادة لا مجرد الوحدة الوطنية اللبنانية بل ايضا اللحمة الوطنية ومن هذا المنظور علينا ان نتوقع الانتقال من مرحلة الحلحلة الى مرحلة الحل بحيث يفسح المجال من اجل استكمال هذه المرحلة الدقيقة والصعبة والمعقدة الى تجسير المجتمع الاهلي الى موقع المساهمة في جعل أية حكومة قادمة تصبح اكثر تناغما مع الاهداف المطلوبة اجتماعية كانت اوثقافية اواقتصادية ويجب الا نتوقع السرعة في تحويل اتفاق الدوحة الذي وضع اسس التفاهم بين الاطراف اللبنانية الى مصالحة يرعاها رئيس المصالحة ميشال سليمان لكن المصالحة اصبحت في حيز الممكن بعد ان كانت تبدو قبل الدوحة في مقاربة المستحيل يستتبع هذا ان ركائز المصالحة اللبنانية تتوقف الى حد كبير على ضرورة احتضان المقاومة من خلال قناعة لبنانية شاملة لان السياسة الدفاعية اللبنانية منسقة بين الجيش وقيادات المقاومة حيث يستقوي الواحد بالاخر بشكل كامل يؤكد قدرة لبنان على ردع تمادي اسرائيل في العدوان ومحاولات الاختراق وهذا يعني ان بقايا الاحتلال في جنوب لبنان تصبح موكولة الى استراتجية الدفاع الناتجة عن التكامل بين المؤسسة العسكرية والمقاومة وهوما يعني ايضا ان تستعيد المقاومة دورها كعنصر رادع للعدوان الاسرائيلي من جهة والاحتضان لها من شرائح الشعب اللبناني من خلال ثقافة المقاومة وكونها في خدمة الكل اللبناني.
اما فيما يتعلق باولويات الحكم الجديد في لبنان فهو المعالجة الفورية للوضع الاقتصادي والاجتماعي من خلال سياسة تنموية شاملة لكل المناطق والبدء بالتفكير جديا او بالاحرى بالتخطيط للانتقال من الطائفية الى تامين اولوية المواطنة كذلك الامر التركيز على ابعاد لبنان من كونه ساحة لتصفية حسابات قوى اقليمية ودولية وان تبقى سياسته العربية على ايجابية الحياد كي يسترجع لبنان دوره العربي كمؤسس لعروبة نهضوية يبقى لبنان مؤهلا لحمل هذه الرسالة اذا استقامت الهوية اللبنانية هوية مواطنة وليس تاج تركيبة طوائفية وهذا ممكن لان الرسالة النهضوية كان قد حملها لبنان من القدم وهو يسعى اليوم لاستئناف دوره الذي غيبته الاحداث الاليمة طيلة نيف اربعين عاما الماضية .
* هل تعتقدون ان ما تم تسريبه قبل ايام بشان مفاوضات سورية اسرائيلية بوساطة تركية من استعادة سوريا ارض الجولان يمكن ان يعكس وجود نوايا اسرائيلية باتجاه السلام وكيف يمكن تفسير هذه الانباء مع المطالب باستقالة اولمرت؟
- كون تركيا عضوا في الحلف الاطلسي ولها علاقات استراتيجية وان تكن محدودة مع اسرائيل فهي تعتقد ان لديها من الرصيد ما يؤهلها ان تسهل احياء "مسيرات سلام" عطلت كما ان التحيز الفاضح للادارة الامريكية الراهنة لا لاهداف اسرائيل وليس فقط لوجودها الامن افقد الولايات المتحدة أي دور كوسيط مقبول وبالتالي اعتقد ان تركيا ارادت ان تحاول تقريب امكانيات حل بالنسبة الى الجولان لكن تبقى هذه المبادرة التركية قائمة ولكن يبقى ايضا الالتزام السوري قائما لان سوريا لن تقبل سوى بانسحاب كامل من هضبة الجولان فاذا كانت المبادرة التركية تنطوي على تامين هذا الخيار فستكون المبادرة التركية مساهمة في ارساء جزء من الشرعية الدولية فيما يتعلق باسترجاع الارض المحتلة لسوريا.
* ولكن ماذا عن النوايا الاسرائيلية؟
- بالنسبة لاسرائيل هناك دوافع متعددة وهناك في اسرائيل من يعتبرون ان انسحابا من الجولان من شانه ان يحرف الانظار عن تصلبها في رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة في القدس والضفة الغربية وغزة كما حددتها قرارات الامم المتحدة كما تتصور ايضا انها بذلك قد تؤدي الى تفكيك العلاقة الناشئة بين سوريا وايران ومن جهة اخرى هناك من يعتقد انه باستطاعة اسرائيل ان تبقي الجولان محتلا وان تستمر في سياستها العدوانية التي تعتبر ان الاراضي الفلسطينية المحتلة هي بالتعريف الصهيوني اراض مملوكة لاسرائيل مما يفسر ان اسرائيل عندما تحاول تزوير معنى المرونة تقول "انها مستعدة لتنازلات اليمة" وكما هو معروف ان التنازل الاليم اوغير الاليم هوتنازل عما يملك وليس عما يحتل لذلك انا استبعد في المرحلة الراهنة أي نجاح للمبادرة التركية في المستقبل المنظور خاصة وان تفاقم الازمة الداخلية في اسرائيل يبقيها في اطار الحسم.
* كنت احد الذين شاركوا في وضع تقارير الامم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي برايكم هل استفادت المجتمعات والحكومات العربية من تلك التقارير وكيف؟
- للتوضيح اقول ان تقرير التنمية البشرية في العالم العربي لم يتوجه الى الحكومات كان موجها الى الناس عموما والى الشعوب بما في ذلك الحكومات والمعارضة والمجتمع المدني ولم يخصص لفئة معينة فهو اذن للعرب للمفكرين والباحثين والنشطاء والاكاديميين العرب وبرنامج الامم المتحدة للتنمية كان في الحقيقة الية لتسهيل هذه التقارير وهي موجهة الى الشعب العربي والمجتمع الدولي ليتفهم ويساعد في عملية التنمية المستديمة وقد استند التقرير على ادراك ثلاثة عوامل:
1) اننا امة غنية وشعوب فقيرة وان هناك ضرورة ملحة لان نتحول تدريجيا ولكن بخطى متسارعة لجعل الثروة العربية في خدمة ثورة التغيير المطلوبة لتامين العدالة الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي.
2) ركزت التقارير الاربعة على مكامن النقص في الحالة العربية العامة وهي المعرفة بما ينطوي على مستوى التعليم في مختلف المراحل وضرورة انتاج المعرفة بالاضافة الى نوع من الاستيراد او التعرف على المعرفة في الخارج خاصة وان انتاج المعرفة في مجال الفنون سجل ابداعا عربيا في مختلف المجالات.
3) رسم شروط الحكم الرشيد بما ينطوي عليه من تبادل السلطات وتامين الحريات وايجاد المناخات الازمة على المستوى الدولي بحيث تحل الازمات التي من اسبابها الفلتان العدواني لاسرائيل والاملاءات الامريكية في العراق واتضاح ان الاسباب والدوافع لغزو العراق كانت خرقا واضحا لميثاق وقرارات الامم المتحدة كما تبين فيما بعد وكما اوضح كتاب ماك مالين الاخير الذي يلاقي رواجا تثبيت التشوهات والاكاذيب التي قام بها المحافظون الجدد من اجل ان تكون اسرائيل محور الهيمنة الامريكية في الشرق الاوسط او غيره لذلك كان دوما الفصل الاول من التقرير الخاص بالتنمية البشرية يلخص الحالة الدولية في المنطقة العربية ناقدا للسلوك الاسرائيلي في فلسطين على وجه الخصوص واوجه كثيرة من السياسة الامريكية في المنطقة ومن هنا وجدنا كيف ان الولايات المتحدة كانت تلجا الى نوع من التهديد للامم المتحدة من خلال هذا التشخيص للعلاقات الدولية في المنطقة ومن جهة اخرى تعتبر الولايات المتحدة ان الاصلاحات التي يدعو اليها التقرير متناغمة مع ما تدعيه من فرص للديموقراطية في الشرق الاوسط وهي لا تدرك ان الديموقراطية والحريات المدنية ومطالب العدالة الاجتماعية هي في صميم التجربة العربية والرصيد الفكري المستنير للامة العربية وبالتالي فان حقوق الانسان وان خرقت في عديد من الاحيان في الامة العربية الا انها كانت تخرق ماهو اصيل ومتجذر في الوجدان العربي العام لذلك فان تقرير التنمية العربية كان عملية تحريض للمجتمعات المدنية ان تنتزع من الحكومات ارادة الاصلاح في كثير من المجالات وتجاوبت بعض الحكومات بنسب متفاوتة مع بعض هذه الاقتراحات ولعل اهم ما انتجته التقارير هو تعزيز المناخ الذي اتاح للمجتمعات المدنية والهيآت النقابية مناخا اكثر سلامة مما كان من قبل ولعل اهم تقرير هو تمكين المراة لان المراة العربية والى حد ما كانت مهمشة في الحياة العامة وفي صناعة المستقبل العربي بالمعنى الشمولي للمستقبل ومن هنا كان التجاوب من الحكومات العربية المترددة لتمكين المراة وسهل التقرير الفهم لضرورة تمكين المراة ومشاركتها ليس فقد رمزيا بل فعليا وفي هذا الصدد كانت دول المغرب الكبير اسرع من غيرها في اخذ اجراءات وان كانت محدودة الى التجاوب مع مقتضيات التبكير.
كما ان التقرير عالج بشكل واضح اهمية الحداثة بمعنى التكيف مع المستجدات دون التخلي عن الثوابت والقيم والتقاليد والتمييز الثقافي والحضاري والروحي الذي تنطوي عليه الحضارة الاسلامية وان الحداثة ليست نقيض التقليد ولا التقاليد المعوقة للحداثة. حاولت تقارير التنمية معالجة هذه الاشكالية بضبط المصطلحات فيما يتعلق بالحداثة وبمخزون الحضارة الاسلامية والعربية واعتقد الى حد ما هيات الجيل والاجيال القادمة من خلال ضبط لمصطلح المرونة الكافية للتعاطي مع مقتضيات العولمة بشكل يضمن الاستفادة من الثورات المعلوماتية دون ذوبان الهوية من جهة ولا التمييز العربي الممكن في التوجه نحومزيد من التنسيق والتكامل بين الدول العربية.
* وماذا في التقرير المقبل للتنمية البشرية؟
- فعلا نحن بصدد وضع سلسلة من التقارير الجديدة نواصل العمل على انهائها وسيكون محورها الامن الانساني ومعالجة قضايا المياه والبيئة والجوع والامن الغذائي وتجسيدها مع قضايا التنمية والاستقرار الامني والدعوة لاعتماد الية ديبلوماسية وقائية في مواجهة كل هذه المسائل.
* بحكم تمثيلكم للجامعة العربية في واشنطن وفي الامم المتحدة كيف تفسرون فشل العرب الامريكيين في تجميع صفوفهم في "لوبي عربي" لا اقول كاللوبي اليهودي ولكن على الاقل كاللوبي الكوبي والارميني في الدفاع عن مصالحه وماذا عن موقع العرب الامريكيين في الانتخابات الرئاسية القادمة؟
- في السنوات الاخيرة حصل تقدم في هذا المجال ولكنه كان تقدم بطيء فقد جاءت امواج الهجرة العربية بمراحل مختلفة فكانت الاجيال الاولى قلقة ولها رغبة في عدم الظهور الا كمواطنين ليس عندهم الا الولاء ثم جاءت هزيمة 1967 فكان المثقفون العرب من امثال هشام شرابي وفايز صايغ وادواد سعيد وغيرهم اصطدموا بازمة ضمير وسعوا الى تكوين ما سمي برابطة خريجي الجامعة الامريكية العرب مصرين بذلك على العمل الدؤوب لمجابهة الاعلام الاسرائيلي وبشكل مثابر ومتواصل وكانت هذه بداية التوعية لحضور عربي امريكي ممكن ثم جاءت عملية حظر النفط في السبعينات والتي جعلت من التحيز الامريكي لاسرائيل مكلفا من خلال هذا القرار الذي فرض الحظر وشجع الامريكيين العرب على انه باستطاعتهم ان يكون لهم حضور فاعل داخل الساحة الامريكية فاستقطب ما سمي برابطة خريجي الجامعات الامريكية رجال الاعمال والنشطاء والاقتصاديين وغيرهم على اساس ان هناك فرصة لتفعيل مكانتهم الاقتصادية لتكون عنصرا من عناصر الضغط وكان ذلك الى غاية الثمانينات وكانت الرابطة تقوم بعمل تثقيفي واعلامي ولكن الى حد اقل بعمل سياسي فقد كان اعضاؤها في موقع اكاديمي هام ولكن هذا الوضع بدا يشعر اللوبي اليهودي الاسرائيلي بان هناك احتمالات واعدة لنشوء لوبي عربي وبالتالي بدات عناصر موالية لاسرائيل وغيرها في وضع عراقيل كان من شانها في تلك الفترة ان تشوه الصورة العربية وتؤثر في التعامل مع بعض السياسين وبداية سياسة التمييز العنصري ضد العرب الامريكيين مما دفع عضو الكونغرس جيمس رزق من اصل عربي الى انشاء جمعية مكافحة التمييز ضد العرب وكانت تلبي حاجة ملحة لتجبر العرب الامريكيين على الدفاع عن حقوقهم المدنية والدستورية وهذا ما اوجد تناغم وكان عنصرا جاذبا حيث اعتبر الامريكيون العرب ان التمييز ضدهم يجب ان يجاوب بتنظيم ثم صار هناك تنسيق واحتمال قيام جبهة عربية امريكية الا ان هذه القدرة واجهت صعوبات في استعجال نتيجة منطقية بان هذه العناصر المتجمعة قابلة للصيرورة وبالتالي لردم اللوبي اليهودي وكانت هناك ثلاثة اسباب رئيسية وراء هذا الامر اهمها الاصطدام بعوامل مرتبطة بالحروب الاهلية في لبنان فقد كان اللبنانيون يشكلون القسم الاكبر من العرب الامريكيين ثم كانت معاهدة السلام بين مصر واسرائيل اضافة الى الوضع الفلسطيني.
وعندما كنت سفير الجامعة العربية بواشنطن كنت اقول لجاليتنا يجب ان يكون العرب الامريكيون خميرة لما يجب ان يكون عليه الوضع العربي وليس مراة لما هو حاصل حتى يتحولوا الى قوة قابلة نوعا ما ومرشحة للدفاع عن مصالحها ولكن كانت هناك خلافات كبيرة وعميقة فقد حمل المهاجرون العرب القادمون الى امريكا معهم جروحهم الوطنية وهذا ساعد الى حد كبير في تاخر تحقيق النتائج المطلوبة.
* الان وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ما الذي تغير؟
- احداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت نقطة مفصلية خاصة ان الذين نفذوا العملية كلهم من العرب حسب ما كشفه الامريكيون وهنا تحول التمييز العنصري الى قانون يوحي بتقنين التمييز من خلالpatriotic act او قانون الوطنية للتمييز ضد الامريكيين العرب والمسلمين وهو الذي يرد بشكل ما عن السؤال الذي يتداوله الامريكيون لماذا يكرهوننا وهنا اعود لاقول بان اوسلو ثم انابوليس جاءت لتعمق الشرخ الفلسطيني التي شكلت بدورها منعطفا لتتحول القضية المركزية الوجدانية قوميا وعالميا الى مسلسل من المشاكل وتعثرت الرؤى تماما كما هو الحال بالنسبة لغزو العراق وكل ذلك اعاد الصعوبة الى صيرورة فاعلية لوبي عربي ممكن على الساحة الامريكية والان وبرغم كل هذه التراكمات والصعوبات فان الجاليات العربية والى حد ما الكثير من الجاليات الاسلامية بدات تسترجع حضورها الفاعل خاصة وان لجنة مكافحة التمييز دفعت الاجيال العربية الامريكية الجديدة الى الجراة وباتت تصر على حقوقها كمواطنين امريكيين والتخلص من التردد الذي لازم الاجيال السابقة وهذه الاجيال الجديدة تصر على الافصاح علنا بانهم مواطنون امريكيون ولن يتخلوا عن حقوقهم والمهم أن ما اشرنا اليه من ان العرب الامريكيين يجب ان يكونوا صورة لما ينبغي ان يكون عليه العرب وليس مراة تعكس واقع العرب بدا يتحول الى قناعة راسخة.
* لو نعود الى قراركم بالاستقالة من الجامعة العربية بعد الغزو الامريكي للعراق ماهي ملابسات القرار وكيف عشتم تلك الاحداث؟
- هذه حكاية طويلة ولوكنت ادري انك ستثيرين هذه المسالة لجلبت لك نص رسالة الاستقالة وهي وثيقة مدونة للأحداث التي رافقتها المهم الان عندما اقدم العراق على احتلال الكويت اجمع وزراء الخارجية العرب على رفض الغزو بل قاموا بادانته وعبرت عن هذه الارادة في وسائل الاعلام الامريكية وان التخفي وراء الوحدة العربي لتبرير الغزو امر خطير فالوحدة بين الدول عملية طوعية ونتيجة قناعة وليست نتيجة املاء والحاق واحتلال وعندما قرر وزراء الخارجية العرب عقد مؤتمر قمة عربية تكونت لدي قناعة بان هذه الازمة وهذا الشعب يستوجب ايجاد حل عربي من شانه ان يجنب مخاطر غزو مقابل غزو من خلال قرار مجلس الامن الدولي يؤيد حملة دولية على العراق واصبحت لدي قناعة بان الحل العربي ليس مضمونا ولكن يجب ان يكون خيارا اوليا وطرحت تصورا لامكانية الحل العربي وكانت الصيغة معروفة وضعناها بحيث اننا دعونا الى ان القمة العربية تقرر ايفاد عدد من رؤساء الدول تقرب اعادة التموضع للقوات العراقية وبان مراقبين عرب من دول بعيدة عن المنطقة كالجزائر وتونس تتولى القيام بالمهمة وان يكون الى جانب كل ذلك هيئة حقوقية من قضاة مسلمين من خارج العالم العربي لايجاد حلول سياسية كانت هناك مطالب عراقية سليمة ايضا ولكن الغزو بالنسبة لنا كان امرا مرفوضا اقترحنا هذا الامر وتجاوبت بعض الدول معنا ولكن الاغلبية رفضته ورغبت بان ياخذ مجلس الامن المبادرة بالقرار وتجاوبت دول عديدة مع هذا القرار هنا وجدت نفسي امام انقسام خطير في الساحة العربية ولم يعد بامكاني ان امثل الجامعة العربية سواء في الساحة الامريكية اوالدولية يقول مبتسما كنت اقوم بوظيفتين واحصل على اجر واحد (لقد كنت اقوم بمهمتي في نفس الوقت عملت سفيرا للجامعة العربية لدى واشنطن ولدى الامم المتحدة) بعدما عملت طوال عشر سنوات على اساس ان المواقف التي ادعو اليها مواقف موحدة ولو قمت بذلك ساكون كاذبا وقلت انا امثل مواقف يفترض انها موحدة فكان لزاما ان اقدم استقالتي.
*الان وفي ظل كل هذه المعطيات كيف ترون المشهد العربي في المستقبل؟
- علينا بشكل واضح وصريح ان يكون هناك استنفار للحكماء والمفكرين العرب لان يقوموا بعملية نقد ذات للسلوك العربي والتقدم باقتراحات محددة تسعى لانقاذ الامة وان بخطوات متدرجة علينا ان نسعى لاخراج انفسنا من الاستقطاب الدولي والاقليمي والتركيز على علاقاتنا القومية والتي من خلالها يمكن ان تتوفر المناعة المطلوبة اعتمادا على التنسيق في حالات تمكن الغير من استباحتنا واختراقنا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.