تزايدت الضغوط السياسية المسلطة على رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لدفعه إلى الاستقالة بعد فتح تحقيق قضائي بشأنه بتهمة الفساد والإرتشاء. وأبدى أولمرت مقاومة ضدّ دعوة وزير حربه إيهود باراك زعيم حزب العمل الذي دعاه إلى الاستقالة مصرّا على البقاء في منصبه. ولئن لم تعلن رسميا نتائج التحقيقات القضائية فإن ثلثي الإسرائيليين يؤيدون هذه الاستقالة حسب استطلاع نشرت نتائجه أمس في حين طالب أكثر من نصف المستجوبين بتنظيم انتخابات مبكرة. وضمّت وزيرة الخارجية الاسرائيلية صوتها إلى الداعين إلى اختيار خلف لرئيس الحكومة لتضيف «جرعة» من التوتر داخل حزب كاديما الحاكم الذي تنتمي إليه. وفي ظلّ هذه المزايدات السياسية بين الأحزاب الإسرائيلية أكد أولمرت مرّة أخرى على البقاء قائلا: «سأستمر في ممارسة مهامي... والبعض يظن في كلّ مرّة يطلق فيها تحقيقا عليّ تقديم استقالتي... لكن لدي رأي مختلف ولن أستسلم»... وأمام هذا الوضع السياسي المهزوز إسرائيليا تطرح أسئلة عديدة بشأن مصير المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. لقد أعربت السلطة الفلسطينية عن تخوّفها من مآل الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل ملمحة إلى إمكانية انهيار عملية السلام برمّتها. ولكن هل كان أولمرت على امتداد سنوات حكمه كرئيس حكومة ملتزما بعملية السلام؟ لقد برهنت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة على سدّة رئاسة الحكومة عن عجزها في الإلتزام بتنفيذ الاتفاقيات الثنائية والمعاهدات الدولية والقرارات الأممية ذات الصّلة. وهذا «العجز» ينبع من صميم السياسة الإسرائيلية التي تعتمد أساسا على احتلال الأرض وتكريس الإستيطان وتوظيف ترسانتها العسكرية للقتل والتدمير والاعتقال والمحاصرة والتجويع منذ نشأة هذا الكيان. لقد اختزل هذا الوضع القائم الأسقف ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام أثناء زيارته للأراضي المحتلة على رأس بعثة من المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالقول: «رسالتي إلى المجموعة الدولية هي أن صمتنا وتواطؤنا خصوصا إزاء الوضع في غزّة عار علينا»، فيما اعتبرت محامية بريطانية عضو في هذه البعثة أن ما تقترفه إسرائيل في القطاع يرتقي إلى جرائم الحرب أو حتى جريمة ضدّ الإنسانية. ومثل هذه الأصوات المحبّة للسّلام والعدل والكرامة لم تغيّر من واقع الأمر على الأرض شيئا لأنّ أولمرت ومن سبقه ومن سيليه يستمد نفوذه السياسي وسياسة البطش لآلته العسكرية من المباركة الغربية لكلّ ما يقترفه من جرائم ومن المساندة المطلقة أمريكيا لكلّ ممارساته العدوانية حتى وإن أعتبر الخيّرون ومحبّو السّلام في العالم ذلك وصمة عار على جبين الإنسانية.