نجدّد دعوة المجتمع الدولي إلى المساهمة في تمويل الصندوق العالمي للتضامن روما (وات) توجه الرئيس زين العابدين بن علي الى المؤتمر رفيع المستوى لمنظمة الاممالمتحدة للاغذية والزراعة «فاو» حول الامن الغذائي الدولي تحديات تغير المناخ والطاقة الحيوية الملتئم بروما بكلمة ألقاها نيابة عن رئيس الجمهورية السيد محمد الغنوشي الوزير الاول. وفي ما يلي نص هذه الكلمة: «بسم الله الرحمان الرحيم السيد رئيس المؤتمر اصحاب الفخامة اصحاب المعالي والسعادة السيد الامين العام للامم المتحدة السيد المدير العام لمنظمة الاممالمتحدة للاغذية والزراعة حضرات السيدات والسادة يسعدني ان اتوجه اليكم بهذه الكلمة في هذا المؤتمر الاممي المتميز الذي يؤكد مرة اخرى مدى وعي المجتمع الدولي بضرورة التضامن والتعاون الناجع من اجل القضاء على الجوع والحد من اسبابه في ظل التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية وارتفاع اسعار الطاقة والمواد الغذائية الاساسية وتداعياتها الخطيرة على اوضاع البشر في عديد مناطق العالم. كما اعرب عن خالص الشكر لكل من ساهم في الاعداد لهذا اللقاء الكبير وتوفير الظروف الملائمة لانجاحه. واخص بالذكر السيد بان كي مون الامين العام لمنظمة الاممالمتحدة والسيد جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الاممالمتحدة للاغذية والزراعة والى جمهورية ايطاليا رئيسا وحكومة وشعبا لاحتضانها هذا الملتقى الدولي ورعايتها له. السيد الرئيس اصحاب الفخامة والمعالي والسعادة ان الهدف الذي رسمناه في القمة العالمية للاغذية وقمة الالفية للتنمية بخصوص تحسين اوضاع الامن الغذائي العالمي يعد من اهم الرهانات التي يتحتم علينا كسبها باعتبار الحق في الغذاء من صميم الحق في الحياة ولا كرامة ولا استقرار بدون توفيره للجميع. ولا شك اليوم ان ظاهرة الارتفاع المتواصل وغير المسبوق لاسعار المحروقات وما لها من تاثير مباشر على تكلفة انتاج المواد الاساسية والغذائية وتخزينها وتكييفها وتوزيعها وخاصة منها الحبوب والالبان والاعلاف اصبحت في صدارة كبريات المشاغل بالنسبة الى الجميع وهي مشاغل يزيدها عمقا ما نشهده من توسع لانتاج الطاقة الحيوية على حساب الانتاج الغذائي في كثير من الاحيان وما يرافقه من تراجع لمستوى المخزون العالمي للمواد الغذائية الاساسية مما يبعث على التخوف من مزيد تردي الحالة الغذائية خاصة بالدول الفقيرة وتفشي المضاربة والاحتكار في المعاملات التجارية العالمية في هذا المجال. هذا الواقع الجديد الذي يخشى جل الخبراء تواصله لفترة غير وجيزة نظرا للتغيرات المناخية التي تتاكد معطياتها من موسم الى اخر من خلال عديد المؤشرات لعل من ابرزها تقلص الغطاء الجليدي وارتفاع معدلات درجة الحرارة في النصف الشمالي للكرة الارضية وظاهرة الانحباس الحراري وتصاعد نسق الفيضانات والكوارث الطبيعية. وامام هذه المخاطر الكبرى التي تهدد قطاع الانتاج الزراعي في كل انحاء العالم وتضر بالمنظومات البيئية والتوازن الطبيعي بصفة عامة فاننا نناشد كافة المنظمات الدولية ذات العلاقة للمساعدة على اتخاذ الاجراءات الفورية لمجابهة آثارها المباشرة على الاوضاع الانسانية في عديد جهات العالم واولها التحكم في اسعار المواد الغذائية الاساسية والبحث في امكانية اقرار اسعار تفاضلية خاصة بالنقل الدولي لشحنات الغذاء وتقديم المساعدة العاجلة الى البلدان ذات العجز الغذائي في شكل بذور واسمدة واعلاف وغيرها من المدخلات الزراعية بما يمكنها من النهوض بانتاجها الذاتي وتلبية حاجياتها المتاكدة والعمل على دعم قدراتها في مجال تكوين مخزوناتها الغذائية وحفظها. كما ندعو الى المساندة المالية للدول الموردة للمواد الغذائية لتخفيف العجز الحاصل في ميزانياتها من جراء ارتفاع الاسعار وتخفيض الضرائب والرسوم الجمركية على المنتوجات الغذائية الموردة حتى لا يكون ذلك عائقا امام مواصلة تنفيذ برامجها التنموية. ولان الحاجة الى دعم اواصر التعاون والتضامن الدوليين في مثل هذه الظروف اصبحت اكيدة اكثر من اي وقت مضى فاننا نجدد دعوة المجتمع الدولي الى المساهمة في تمويل الصندوق العالمي للتضامن الذي اقرت احداثه الاممالمتحدة باقتراح من تونس كالية للحد من ظاهرة الفقر والاحتياج باعتماد البادرة التي اطلقناها يوم 28 افريل الماضي بالدعوة الى رصد دولار واحد عن كل برميل نفط لدعم موارد هذا الصندوق وتوظيفها للتصدي لظاهرة الجوع في العالم. وعلى صعيد آخر فاننا نؤكد كذلك ضرورة ايلاء الدول لقطاعات الزراعة والغابات والاحياء المائية المكانة التي تستحقها ضمن سياساتها وبرامجها التنموية لما لهذه القطاعات من اهمية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. كما نجدد الدعوة بهذه المناسبة الى الجهات الممولة والدول المانحة للمساعدة على تدارك التراجع الذي شهده الاستثمار في هذه القطاعات خلال السنوات الماضية. ونتطلع الى ان تؤول المفاوضات بخصوص تحرير تجارة المنتوجات الفلاحية في اطار المنظمة العالمية للتجارة الى الحلول الملائمة حتى تكون التجارة الدولية اكثر انصافا وحتى تفسح المجال امام الدول النامية وصغار المزارعين للنفاذ الى الاسواق الخارجية. وبخصوص انتاج الطاقة الحيوية فنحن نؤكد ضرورة التعامل مع هذا المعطى بكل حذر ونوصي بانجاز دراسات جدوى معمقة ودراسات للتاثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المرتقبة لهذا النشاط الجديد. وفي كل الحالات فلا بد من اعطاء الاولوية المطلقة لتوجيه الانتاج الغذائي للاستهلاك البشري والتوقي من اي شكل من اشكال المنافسة الاقتصادية التي يمكن ان تحدث بين هذين النشاطين. ايها السيدات والسادة ان النظام المناخي هو ثروة مشتركة بين الانسانية جمعاء وقد وضعت الاتفاقية الاممية حول التغيرات المناخية تصورا شاملا للمجهود الدولي لمواجهة التحديات التي تفرزها هذه التغيرات. ونحن نعتقد ان البحث العلمي يبقى السبيل الاول للمساعدة على التاقلم مع هذه التغيرات وذلك من خلال تكثيف البرامج البحثية في مجال استنباط الاصناف المقاومة للجفاف والملوحة باستعمال البيوتكنولوجيا في اطار التعاون متعدد الاطراف ووضع خطط واستراتيجيات وطنية للتوسع في المساحات القابلة للبذر والري وتكثيف الانتاج الزراعي والرفع من مردوديته. وقد جعلت تونس دائما الامن الغذائي في صدارة اولياتها الوطنية. وتعزز هذا الاهتمام من خلال مجموعة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي اقررناها على المستوى الوطني والتي اعتمدت في منهجيتها على تكامل البعدين الاقتصادي والاجتماعي وبوأت النهوض بالفلاحة والفلاحين مكانة متميزة ضمن البرامج التنموية ببلادنا. وهو ما مكن من تحسين المحيط العام للقطاع الفلاحي ببلادنا وتطوير انتاجيته. هذا بالاضافة الى تنفيذ عدد من المشاريع الفلاحية المندمجة والبرامج الخاصة بتنمية المناطق الريفية وتحسين ظروف العيش بها والنهوض بالفلاحة الصغرى ودعم دور المراة الريفية في التنمية. وقد لقيت مختلف البرامج والاصلاحات المعتمدة في تونس تجاوبا كبيرا من طرف الفلاحين وكافة المتدخلين في القطاع الزراعي وكان لها الاثر الايجابي على التطور الذي تشهده اليوم الفلاحة التونسية ومسيرة التنمية بصفة عامة. ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال اسهام القطاع الفلاحي في تعزيز النمو الاقتصادي طيلة العقدين الماضيين وفي خفض نسبة الفقر الى 8،3 بالمائة بعد ان كانت في حدود 12 بالمائة خلال الثمانينات وفي الرفع غير المسبوق في معدلات الاكتفاء الذاتي وتعزيز الامن الغذائي. وعلى المستوى المتوسط والبعيد بادرت بلادنا بانجاز دراسة تشخيصية لظاهرة تغيرات المناخ وتاثيرها على القطاع الزراعي ووضع استراتيجية وطنية لتاقلم القطاع الزراعي والانظمة البيئية مع هذه التغيرات المرتقبة بالاعتماد على منهجية تجمع بين التوقي والمعالجة الناجعة لآثارها وبادماج عنصر التغيرات المناخية ضمن الثوابت التي يتعين اخذها في الاعتبار عند ضبط محاور السياسة الاقتصادية والفلاحية للبلاد بصورة عامة. السيد الرئيس اصحاب الفخامة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة ان تونس تسعى باستمرار انطلاقا من ثوابتها الى دعم التعاون والتضامن الدوليين وتبذل كل جهودها لانجاح برامج الالفية وتحقيق اهدافها وتجسيم الحق الاساسي في الغذاء الكافي والسليم لكل فرد في كل انحاء المعمورة ليكون ذلك مكسبا حقيقيا من المكاسب الاممية للقرن الواحد والعشرين. وفقنا الله جميعا لما فيه خير اوطاننا ورفعتها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».