بين احداث النكبة التي مضت عليها ستون عاما وبين احداث النكسة التي تعود اليوم في ذكراها الواحدة والاربعين تعيش الذاكرة العربية اسوا مراحلها واشدها تقهقرا وتراجعا حيث تظل مضرجة بجروح نازفة تأبى أن تندمل بين ما افرزته نكبة الثمانية والاربعين من موجات تهجير قسري تحت تهديد عصابات الهاغاناه والارغون الصهيونة العنصرية وبين انعكاسات هزيمة السبعة والستين التي مكنت اسرائيل من السيطرة على مناطق تبلغ ثلاثة اضعاف مساحتها بعد احتلالها شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان والضفة والقطاع فضلا عن القدس وصولا إلى غزو العراق واستباحة لبنان ومحاولات تفتيت السودان.. والحقيقة أنه إذا كان العالم العربي قد أدرك بعد تلك الهزيمة أن الطيران الاسرائيلي المعزز انذاك باحدث الاليات العسكرية الغربية قد نجح في تدميرالقوة العسكرية لأربع دول عربية مجتمعة افتقرت للتنظيم والاستعداد فإنّ ما لم ينتبه له العرب انذاك أن الطيران الاسرائيلي قد حطم ما لا تدركه الابصار لا بمصادرته الحق العربي وتقزيمه فحسب ولكن بتوريثه أجيالا متعاقبة في العالم العربي ثقافة الاستسلام والهزيمة وتكريس مشاعر الاستكانة والرضا بالأمر الواقع وتحطيمه مفهوم الإرادة حتى لم يبق منها غير بيانات التنديد والاستنكار التي تحولت بدورها إلى خطابات مناسبتية تشهد حالة العجز العربي في مواجهة التحديات المتفاقمة.. ومن لاءات الخرطوم الثلاث إلى اتفاقيات مدريد ومنها إلى تصفيات انابوليس يبدو أن العرب باتوا مصرين على تلقي اللدغات من نفس الجحر وذلك برهانهم المستمر على استقدام الحلول الخارجية الجاهزة التي قد تساعد على تسكين بعض الجروح دون أن تكون قادرة على ازالة جذور أو اسباب الورم المستفحل. والامر هنا طبعا لا يتعلق بالعودة مع هذه الذكرى للبكاء والنحيب على ما خلفته النكبة أو العودة للبحث عن الاسباب والدوافع التي ادت إلى المعاناة المستمرة للفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرئيلي أو لاستمرار معاناة العراق تحت الاحتلال الامريكي فالمفترض بعد كل هذه السنوات بكل ما حملته في طياتها من دروس ومن اهانات ومن هزائم ونكبات ونكسات وجروح أن يكون العرب قد استوفوا دراسة كل الاسباب والدوافع وتجاوزوا مرحلة جلد الذات إلى ما هو اهم واشمل باتجاه تفعيل الارادة المطلوبة على كل المستويات السياسية والاعلامية ثم النضالية بما يؤسس للتخلص من عقلية التواكل والرهان على السياسات والخيارات الفاشلة إلى مواجهة الحقائق والاعتراف بمواقع الخطإ والتقصير بما يمكن على الاقل أن يساعد على تفادي الاسوا في عالم لا يعترف بحق الضعفاء... صحيح ان لتواطؤ قوى دولية واقليمية خارجية ولانعدام التوازن على الساحة الدولية وغياب العدالة والشرعية الدولية دوره الخطير في تعقيد المشهد العربي الراهن ولكن كل ذلك لا يمكن أن ينفي أو يقلل من مسؤولية العرب إزاء ما اصبحوا عليه اليوم من تخلف وضعف وتقهقر وتراجع على مختلف المستويات الاقليمية والدولية. واذا كانت احداث النكبة اقترنت هذا العام باحياء اسرائيل الذكرى الستين لنشأتها على ارض فلسطين التاريخية بدعم لا محدود من الرئيس جورج بوش المنتهية ولايته وهو الذي استحق عن جدارة لقب اكبر الرؤساء الامريكيين تسويقا للوعود المزيفة للفلسطينيين فإنّ ذكرى النكسة اقترنت بدورها بسلسلة من الأحداث لا تخلو من اهمية وقد تكون على راس تلك الأحداث فضيحة رئيس الوزراء ايهود اولمرت وخطاب المرشح الديموقراطي للبيت الابيض باراك اوباما امام المؤتمر اليهودي والذي ادرك أن بطاقة العبور إلى البيت الابيض تمر عبر تجاوز وعود سابقيه والتلويح ببقاء المدينة المقدسة عاصمة ابدية لاسرائيل. مرة أخرى اذن ان تفعيل دعوة الرئيس الفلسطيني من اجل المصالحة والحوار تبدا بكسر الحواجز المصطنعة وتحطيم الجدار الاسمنتي الفاصل بين "فتح" و"حماس" والاستعداد لمواجهة الامر الواقع، فالرئيس بوش سيرحل بعد اشهر ومن كان يعتقد أنه سينفذ وعده للفلسطينيين باقامة دولتهم إلى جانب اسرائيل فهو واهم ومن يراهن على جولة جديدة لوزيرة الخارجية كونداليزا رايس فهو واهم ايضا ولكن ابواب البيت الابيض ستكون مفتوحة لاستقبال زعيم جديد وفي حال انتخاب الجمهوري ماكين وهو الذي تجاوز السبعين فإنّ الأرجح أنه سيكون في حل من عقدة الرغبة بالفوز بولاية ثانية بمعنى أنه سيكون الاقدر على تنفيذ اية وعود قد يلتزم بها مقارنة مع الديموقراطي الشاب اوباما الافريقي الاصل الذي سيسعى بكل الطرق للاحتفاظ بكرسي البيت الابيض في حال فوزه على مدى ولايتين قد تكون ثماني سنوات أخرى من الوعود واللهث خلف السراب إذا لم يتغير المشهد العربي بما يمكن أن يجلب له اعتراف واحترام وتقدير المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه ذلك أن الخروج من اطار النكبة والنكسة من شانه أن يتطلب اكثر من مجرد حرف متحول...