تونس الصباح: بالإعلان عن السقف السنوي للأمراض العادية بين 200 و400 دينار في المنظومة العلاجية الخاصة، تكون المرحلة الثانية لإرساء النظام الجديد للتأمين على المرض قد قطعت شوطا مهما في إرسائها، حيث لم يبق فيها سوى بداية العمل بالمنظومات الذي سينطلق خلال هذه الصائفة. لكن هناك مسألة مازالت تتطلب من الصندوق الوطتي للتأمين على المرض مزيد التوضيح، وهي تتمثل في إشكالية المحافظة على الأنظمة التكميلية الإختيارية والأنظمة الخصوصية كحقوق مكتسبة والتنسيق بينها وبين النظام القاعدي الإجباري. فماذا عن هذه الاشكالية؟ وكيف يمكن التوفق في هذا الجانب؟ أسئلة لم يجب عنها الصندوق الوطني للتأمين على المرض السؤال الذي قد يطرح خاصة من طرف بعض اصحاب العمل هو: هل يمكن التخلي عن الأنظمة التكميلية الإختيارية والمصالح الطبية للمؤسسات باعتبار أن نظام التأمين على المرض أصبح يقوم في أغلب الأحيان بنفس الدور الذي تقوم به هذه الأنظمة والهياكل التعاقدية والقانونية أم أنه لا يمكن التراجع عن هذه الإمتيازات باعتبارها حقوقا مكتسبة؟ في حال الجواب بالنفي كيف يمكن تجنب تداخل الادوار الذي من شأنه أن يفشل أحد الاهداف الرئيسية للإصلاح وهو ترشيد استهلاك الخدمات الصحية؟ فكيف يتحقق التكامل بين النظام القاعدي والأنظمة التكميلية الاختيارية والمصالح الطبية للمؤسسات والتنسيق بينها؟ مفهوم الحق المكتسب لتناول هذا الموضوع يتعين بداية تحديد المفهوم القانوني للحق المكتسب. وبالرجوع الى القانون الإجتماعي في مفهومه الواسع (النصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بالشغل والضمان الاجتماعي بما فيه التأمين على المرض وحوادث الشغل والامراض المهنية) لا نجد تعريفا لمفهوم الحق المكتسب، وربما تركت هذه النصوص هذه المهمة الى فقه القضاء، ولكن بالرجوع الى هذا الأخير نلاحظ أنه يستعمل مصطلح الحق المكتسب دون أن يعرفه. فما هي الفترة الزمنية أو الشروط التي تكسي منفعة معينة صبغة الحق المكتسب؟ وإذا كسيت بهذه الصبغة هل تصبح ثابتة وغير قابلة للمراجعة أو التراجع؟ المعروف أن الحق المكتسب في صيغته العامة يعني التمتع بمنفعة ولمدة مساوية لمدة سقوطها أو تقادمها بمرور الزمن وذلك على حد (المدة المسقطة للحق مكسبة له) وذلك دون نص ملزم وبموافقة المؤجر الصريحة أو الضمنية (دون معارضة)، شريطة أن لا تكون هذه المنفعة مخالفة للنظام العام. كما يتعين التمييز بين الحقوق الجماعية والحقوق الفردية، علما وأن الأولى مجموعا للثانية بل مستقلة بذاتها وبشروطها. وبالرجوع الى هذا التعريف نتبين أن جل الأنظمة التكميلية والأنظمة الخصوصية ليست حقوقا مكتسبة بل حقوقا تعاقدية لها القوة القانونية بين الأطراف المتعاقدة بشأنها أو حقوقا قانونية أصلية، وبالتالي فإن مسألة التراجع فيها لا تطرح لأنها مخالفة لأبسط مبادئ القانون التعاقدي، حيث كما ذكرنا ما تعاقد عليه طرفان أو أطراف يكتسب قوة القانون طالما لم يكن متعارضا مع النظام العام، ولا يمكن بالتالي التراجع فيه أو حتى مراجعته إلا بنفس الطريقة، أي الاتفاق بين الاطراف المتعاقدة. ولا يمكن بأي حال من الاحوال تأويل عبارة "أنظمة اختيارية" على أنها تبيح مراجعتها أو التراجع عنها بصفة أحادية الجانب، بل هي اختيارية في إطار التعاقد والاتفاق بحيث يمكن مبدئيا الاتفاق على تكوين تعاونية أو ابرام عقد تأمين جماعي أو إنشاء مصلحة طبية أو مراجعة المنافع المسداة من طرف هذه الهياكل أو ايقاف العمل بها إن وجدت كما قد تنص أنظمتها الداخلية أو النصوص المكونة لها على حرية العون في الانخراط أو عدم الانخراط فيها أو الانسحاب منها. كيف يمكن تجنب الاشكاليات التي تطرحها الأنظمة التكميلية الاختيارية تجنبا لهذه الاشكاليات الني قد تطرحها الأنطمة التكميلية الإختيارية بدخول نظام التأمين على المرض حيز التنفيذ، وخاصة في مرحلته الثانية في غرة جويلية القادم، والتي سيتوسع بمقتضاها مجال تطبيق النظام القاعدي الى الأمراض العادية، نص المشرع في العنوان السابع لقانون 2 أوت 2004: "على أحكام مختلفة واتفاقية". ومن هذه الأحكام الفصل 26 الذي نص على أنه : "تبقى سارية المفعول في حدود ما لا يشمله النظام القاعدي المنصوص بهذا القانون... " الأنظمة التي تديرها مؤسسات التأمين والتعاونيات الى غاية مراجعتها تتلاءم مع أحكام العنوان الثالث من هذا القانون"، علما وأن العنوان الثالث ينص على مجال تدخل الأنظمة التكميلية وادارة هذه الأنظمة. فالفصل 26 المذكور نص على أنظمة التأمين الجماعي التي تديرها شركات التأمين والأنظمة التعاونية، وهو بذلك أكسى هذه الأنظمة صبغة الحقوق المكتسبة، وبالتالي لا يمكن التراجع فيها ، خاصة وهي تعاقدية بالأساس وبالتالي قانونية غير قابلة للمراجعة أو التراجع إلا بتوازي الاشكال. وهذا الفصل يثير يعض الاشكاليات القانونية أهمها: اقصاء ضمني من مجال إكسائه الحق المكتسب للأنظمة التي تديرها بعض الشركات بالرغم من أنها أنظمة تأمين جماعي غير أن ادارتها غير موكولة لشركات تأمين. ادراج هذا الفصل تحت عنوان " أحكام مختلفة وإتفاقية " التنصيص على مراجعة هذه الأنظمة لتتلاءم مع أحكام القانون وبشأن موقع هذا الفصل تحت عنوان "الأحكام المختلفة والاتفاقية"، فهل يتعين ربطه بهذا العنوان للقول أن الانظمة التكميلية الاختيارية تبقى سارية المفعول لفترة انتقالية فقط حتى يدخل القانون حيز التطبيق، وبعد ذلك تخرج من مجال تطبيقه وترفع عنها صبغة الحقوق المكتسبة؟ إن اشكالية المحافظة على الأنظمة التكميلية الاختيارية والانظمة الخصوصية كحقوق مكتسبة والتنسيق بينها وبين النظام القاعدي الاجباري تتطلب مزيدا من التوضيح وذلك قبل بداية نشاط المنظومات العلاجية بالكامل خلال جويلية القادم. فهل يعمل الصندوق على بلورة هذه الجوانب ورفع بعض اللبس الحاصل حولها لدى المواطن.