على عكس ما جرت به العادة، وعلى عكس وعود الحكومة في نشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة والمبادرة بنشر البيانات والوثائق التي تتعلق خاصة بأنشطتها بما فيها مشاريع الأوامر والقوانين وغيرها.. خالفت هذه المرة تطلعات الإعلاميين ووسائل الإعلام والمهتمين بتوجهات الحكومة المالية والتنموية والاقتصادية.وحتى المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية بما فيها الشريكة للحكومة.. لم تنل حظها في التوصل إلى النسخة النهائية من مشروع قانون المالية وميزانية الدولة للسنة المقبلة حتى بعد المصادقة عليها يوم الخميس الماضي من قبل مجلس الوزراء.. وهو أمر يدعو إلى الاستغراب ويطرح أكثر من سؤال.. وكان المكتب الإعلامي لمجلس نواب الشعب أمس انه تلقى بعد ظهر الجمعة 13 أكتوبر 2017 مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2018، ومشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2017.. لكن طريقة إيداع مشاريع القوانين تمت ب»هدوء» وعلى غير العادة «البروتوكولية» فلم يتم تنظيم لقاء رسمي بين رئيس الحكومة او من يمثله وبين رئيس مجلس نواب الشعب بحضور إعلامي للتأكيد على أهميةالحدث.. قد يكون مفهوما امتناع الحكومة على توزيع «المسودات» الأولى التي تسبق الإعداد النهائي لمشروع قانون المالية على شركائها من أحزاب ومنظمات وطنية وهيئات مهنية مثل اتحاد الشغل، اتحاد الأعراف، هيئة الخبراء المحاسبين، هيئة المحامين، المجلس الوطني للجباية.. واكتفائها بعقد جلسات ثنائية معهاأو ورشات استشارية وندوات حوارية بخصوص توجهات قانون المالية والميزانية العامة بشكل عام.. وأيضا إطلاق بعض المعطيات والمؤشرات من خلال تصريحات أعضاء الحكومة والوزراء المستشارين لرئيس الحكومة.. لكن في جميع الأحوال، كان يمكن لرئاسة الحكومة أن تعمل – مثل ما جرت به العادة- على برمجة ندوات صحفية أثناء نهاية كل مجلس وزراء خصص لمتابعة مدى تقدم إعداد أحكام مشروع قانون المالية للسنة المقبلة وأهم التعديلات التي أدخلت على النسختين الأولى والثانية.. تتوج بلقاء صحفي كان ينبغي أن يعقد بعد ظهر الخميس الماضي لما تمت المصادقة النهائية على النسخة النهائية لمشروع القانون.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث.علما أن الحكومة خصصت في هذا الإطار قرابة أربعة مجالس وزارية نظرت في مشروع قانون المالية والميزانية العامة للدولة.. من غير المفهوم أن تستثني الحكومة مشروع قانون المالية في نسخته النهائية من النشر على مواقعها الالكترونية المفتوحة التي يتم فيها نشر مشاريع القوانين المعروضة على مجلس النواب، حتى يتسنى لوسائل الإعلام والمواطنين وكل من يرغب في ذلك من أخذ فكرة عن التوجهات العامة لميزانية الدولة للسنة المقبلة ويتفاعل معها بالنقد أو التحليل.. بين التسريبات.. والتسويق الدعائي.. كان واضحا ان الحكومة انتهجت خطة اتصالية للتسويق إلى النقاط الايجابية لأبرز توجهات مشروع قانون المالية والميزان الاقتصادي.. سواء تقنية «التسريبات» المدروسة، أو من خلال تصريحات رسمية أو من خلال لقاءات حوارية «حصرية» مثل حوار رئيس الحكومة في «الحوار التونسي» أو حوار وزير المالية في «اكسبريس اف ام».. لكن اعلاميون وبعض الخبراء في المحاسبة والجباية وبعض النواب وقياديين في أحزاب سياسية تمكنوا من الظفر بمعطيات «ثمينة» لما جاء في النسختين الأولى والثانية من مشروع قانون المالية قبل يتم لاحقا إما تثبيتها أو تعديلها أو التراجع فيها.. بناء على ما خلفته تلك المعطيات «غير الرسمية» من ردود أفعال وتجاذبات ومخاوف لدى المهنيين والشركاء الاجتماعيين.. لكن سياسة «القطرة- قطرة» ليست دائما مفيدة، مع الاعتقاد أن طريقة تعامل الاتصالي للحكومة خلال السنة الماضية مع نفس الموضوع أتت أكلها بما أن النقاش بشأن مشروع قانون المالية في نسخه الأولى ونسخته النهائية- باعتبارها كانت متاحة وسهلة النفاذ- كان ثريا ومعمقا وبناء وساهم في «تثبيت» عديد الأحكام والإجراءات التي رغبت الحكومة في تضمينها في مشروع قانون المالية لسنة 2017.. ما يلفت الانتباه، أن رئيس الحكومة اعتبر في حواره الأخير أن « ما راج حول هذا القانون خلال الأيام الفارطة عمل غير مسؤول ومن قبيل الشعوذة السياسية»، منتقدا «التسريبات الخاطئة» لقانون المالية،نافيا أن يكون مشروع قانون المالية قد تضمن الرفع في الضغط الجبائي، او التراجع عن بعض التمويلات الاجتماعية والتقليص من اعتمادات الدعم.. كما أعلن صراحة عن عدم الترفيع في طابع السفر مثلا او في معلوم الجولان.. مشروع قانون «مجهول».. جيد، لكن لماذا لم تحاول رئاسة الحكومة التواصل مع شركائها السياسيين والاجتماعيين ومدها بنسخ أولية لمشروع قانون المالية وتعلن في لقاءات إعلامية مفتوحة عن تطورات النقاش والتفاوض وآخر مسار التعديلات المدخلة على مشروع القانون أولا بأول..لكانت تجنبت بذلك ردود أفعال سلبية أو تضخيما للمعطيات والتوجهات العامة والمقترحات الحكومية أو التسريبات الخاطئة مثل ما وصفها رئيس الحكومة..؟ جدير بالذكر أن نص المشروع في نسخته النهائية لم يقدم الى الأحزاب والمنظمات الداعمة للحكومة على الأقل إلى حد يوم أمس، وفق الاتفاق الأولي الذي عقد بينهم، ما دفع باتحاد الشغل واتحاد الأعراف إلى الاتصال بوزير المالية للحصول على نسخة من المشروع لتحديد موقفها الرسمي والنهائي من القانون. وقد اكد الناطق باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري عدم تحصل الاتحاد على نسخة من قانون المالية لا قبل عرضه على مجلس الوزراء ولا بعد المصادقة عليه، وقال إن مشروع القانون «مجهول» وان الاتحاد لا يعلم بدقة مضمون الإجراءات الواردة فيه ليقع الحكم عليها، ان كانت تتضمن البعد الاجتماعي الذي تحدث عنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد ام هي على العكس منه.. وفق تصريحهلجريدة «المغرب» في عددها ليوم أمس.