يطرح تطوير أساليب التعليم والتعلُم اليوم قضية مهمة تخص تكوين النشء في العالم. وفي هذا الاطار تحاول عديد المنظومات التربوية تطوير نفسها من جوانب تربوية مختلفة . وسنتناول اليوم رؤاهم الجديدة للمواد التعليمية التي تدرس في المؤسسات التربوية في كل المستويات. المواد الدراسية بطريقة مغايرة ما من شك في أن التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم اليوم وما طبعه من آثار على الناشئة غير من حياتهم ومن سلوكاتهم، حثُ الباحثين في كل المجالات ومن بينها التربية على تطوير طرق وتقنيات تسمح بالتعلم بصورة مغايرة وتبني مواطنا متناسقا مع عصره . إن أول ما تم البحث فيه هو الإجابة عن السؤال التالي: هل نحافظ على المواد الدراسية كما تدرس اليوم من حيث المحتوى وطريقة التدريس؟ وكان الجواب المقترح هو المحافظة على تدريس المواد العلمية الأساسية كما نفعل اليوم وهي الرياضيات والعلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض لكن بتوظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تبليغها واعتماد مقاربة حل المسائل في تدريسها بحيث تعتمد الدروس على الوضعيات التي تثير مشكل ومن خلال الحل يتم فهم المطلوب في الدرس. وكذلك المحافظة على تدريس اللغات إن كانت اللغة الأم أو اللغات الأجنبية. أما بقية المواد فيميل البحث التربوي اليوم إلى تدريسها باستعمال مقاربة المشروع أو «البورتفوليو» بحيث ينتهي مع هذه المواد دور المدرس الملقن للدرس أو الشارح له عموديا ليصبح منسقا لما يجري في حصته ومؤطرا لتلاميذه الذين يعدون في مجموعات ملفات متعلقة بالمحور الذي يدرسونه ويتم مناقشتها في القسم بتوجيه من المدرس وينال التلميذ العلامة على ما أنجزه من عمل وليس هناك اجتياز لامتحان بعينه خاص بالمادة. وهذه المواد هي المواد الاجتماعية كالتربية المدنية والتاريخ والجغرافيا والفلسفة... وبهذه الطريقة نخفف عبء الامتحانات على التلميذ ويقيًم مجهوده التعليمي على مدى السنة وليس في فترة الامتحان فقط وهي مقاربة تزيد من دافعية التلميذ للتعلم خاصة وأنها تفتح المجال لتعليم تتعاون فيه عدة مواد مختلفة من أجل تحقيق مشروع واحد مثلا وهو ما يلغي نهائيا الحواجز التي تفصل حاليا التعلمات بعضها عن بعض. ما الجديد في التعلمات؟ وفي نفس الاطار اقترحت تلك المقاربات الجديدة تعلمات إضافية من الضروري أن يتلقاها الناشئة لمواكبة عصرهم تضاف إليها حصص تساهم في صقل شخصية التلميذ وتكوين المواطن والقائد في المستقبل وتدعم التواصل في المؤسسة التربوية. فمن جهة برمجة حصص تأطير للتلاميذ ضمن جدول الأوقات تخصص للحوار معهم في القضايا التي تشغلهم ولدعم السلوك الأخلاقي والحضاري بينهم وتعليمهم المهارات الحياتية في عصرهم ودعم الحس المواطني والحس المدني وحب الوطن لديهم . هذا إضافة إلى تربيتهم على التوجيه المدرسي السليم وتعريفهم بعالم الشغل مما يساعدهم على الاختيار الأمثل للشعبة الدراسية التي تتماشى مع مؤهلاتهم وتفتح لهم باب النجاح في دراستهم أولا وفي الحياة ثانيا. أما التعلمات الجديدة التي تطرحها التطورات الحديثة فهي متعددة نذكر منها عالم «الروبوات» أو الانسان الآلي إذ تذكر الدراسات المستقبلية أن العالم سيكثف من الاعتماد على «الروبوات» في حدود سنة 2050 . وبالتالي فتدريب التلميذ عليها منذ التعليم المدرسي أمر يعده إعدادا جيدا للمستقبل. وفي مجال علوم الإعلامية التركيز على علم البرمجة والذي أصبح اليوم يعلًم للأطفال في الابتدائي في بعض المنظومات التربوية مما سيسمح لهم بدخول عالم التطبيقات الرقمية منذ الصغر وهو مجال نشاط مزدهر في العالم. وكذلك تكوينهم في مجال الابداع الرقمي وتدريبهم على البرامج التي تكونهم في ذلك المجال فيصبحون قادرين على إعداد التصاميم والرسوم الرقمية المختلفة... هذه بعض الملاحظات على التطورات الحديثة في المنظومات التربوية والتي ستضمن لنا تكوين مواطن ينهل من التطور التكنولوجي الذي يعيشه مجتمع المعرفة قادر على التأقلم مع تغيراته بفضل تكوينه وحذقه للغات الأجنبية ومتشبث بهويته متعاون من أجل مصلحة وطنه.. * باحث وخبير تربوي