غدا.. انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق بسوسة والمنستير    وزارة الأسرة تدعو إلى تكثيف جهود التربية على ثقافة احترام حقوق كبار السن ومناهضة العنف المسلط عليهم    الفرجاني يدعو في افتتاح المؤتمر الإقليمي " الصحة الواحدة" إلى إطلاق شبكات بحث مشتركة لدعم نهج الصحة الواحدة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا    الصين وإفريقيا تصدران "إعلان تشانغشا" لتعزيز التضامن بين دول الجنوب    قابس: الحاجة ملحة لتحسين وضعية العديد من الطرقات المرقمة بالجهة (رئيس الجمعية الوطنية للسلامة والأخلاق المرورية)    بالأسماء.. إسرائيل تعلن اغتيال 9 علماء نوويين إيرانيين    ليبيا.. المشري يستنكر عرقلة "قافلة الصمود" ويدعو لاحترام الإرادة الشعبية    طاقم حكام آسيوي يدير المباراة الافتتاحية في كأس العالم للأندية 2025    كأس العالم للأندية: تشكيلة الأهلي المصري في مواجهة إنتر ميامي الأمريكي    مفاوضات القطاع الخاص: الطبوبي يكشف موعد الجلسة الثانية.. #خبر_عاجل    دورة النرويج الدولية للشبان لكرة الطاولة: التونسي وسيم الصيد يحرز فضية مسابقة الزوجي مختلط    عاجل/ كان بصدد الفرار: الإطاحة برجل أعمال معروف محكوم بالسجن في قضية التآمر    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    هذا ما تقرّر ضد محام دلّس عقد بيع عقار.. #خبر_عاجل    109 حافلة في الدفعة الأولى: الإثنين القادم بداية وصول الحافلات الصينيّة    عاجل/ مصر: صدور تعليمات لسلطات الحدود بعدم دخول قافلة الصمود    بعد ضربة إسرائيل.. إيران تكشف حالة محطة فوردو النووية    القيروان: جلسة توعوية للإحاطة بالمترشحين لمناظرتي "السيزيام و"النوفيام "    تسجيل خمس حالات وفاة بين الحجيج التونسيين حتى الان    الأسبوع البورصي : تراجع في أداء توننداكس    احتجاجات أمريكا : رئيس الفيفا يدلي بهذا التصريح قبل انطلاق كأس الأندية    عاجل/ "خرج عن السيطرة": نداء استغاثة بعد انتشار مرض الجلد العقدي بين الابقار بهذه الجهة    مساء اليوم : المالوف التونسي ....يشدو في باريس    النجم الساحلي يعلن رسميا القطيعة مع محمد المكشر وكافة الإطار الفني    انتر ميامي يفقد خدمات نجمه أمام الأهلي المصري    عاجل/ وقع منذ اكثر من شهر: وفاة أستاذ جرّاء حادث عقارب    عاجل ورسمي: الترجي يتعاقد مع لاعب دولي جديد    وزير التشغيل : 2000 منتفعا بنظام المبادر الذّاتي قد تسلموا بطاقاتهم    صفاقس : تزويد السوق بالمواد الإستهلاكية مرضي.. وتسجيل 1934 عملية رقابية من غرة ماي إلى 12 جوان الجاري (الإدارة الجهوية للتجارة)    الجيش الإيرانى: سنطلق نحو 2000 صاروخ تجاه إسرائيل فى الهجمات المقبلة    عاجل/ اسرائيل تكشف عدد القتلى والجرحى بالصواريخ الايرانية    عاجل/ إيران: الحرب ستتوسّع لتشمل كل إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة    عاجل : الأردن يعيد فتح مجاله الجوي صباح اليوم السبت    الحرارة تصل 41 درجة اليوم السبت.. #خبر_عاجل    الخطوط التونسية تعلن عن تغييرات في رحلاتها نحو باريس    كيف سيكون طقس السبت 14 جوان 2025؟    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    منها العطش وانقطاع الكهرباء...كيف سنواجه أزمات الصيف؟    الدورة الأولى من الصالون الوطني للفنون التشكيلية من 14 جوان إلى 5 جويلية بمشاركة 64 فنانا من مختلف الولايات    إعادة تهيئة المقر القديم لبلدية رادس مدرجة ضمن برنامج احياء المراكز العمرانية القديمة باعتباره معلما تاريخيا (المكلف بتسيير البلدية)    وزارة الشؤون الثقافية تنعى المخرج والممثل محمد علي بالحارث    صمود الأوضاع المالية على الرغم منحالة عدم اليقين الناتجة عن الحروب التجارية    توزر: يوم مفتوح للتعريف بفرص التكوين في مهن السياحة والمسار المهني لخرّيجيها    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    الصحة العالمية تحذر من طرق الترويج للسجائر    من قلب الصحراء التونسية : حليب الجمل يتحول الى الذهب الأبيض...روبرتاج يكشف التفاصيل    العثور علي جثة مواطن مذبوح في بوعرڨوب    افتتاح الدورة الثامنة من المهرجان الدولي لفنون السيرك    مدنين: الميناء التجاري بجرجيس يستعد لاستقبال اولى رحلات عودة ابناء تونس المقيمين بالخارج    نحو نفس جديد للسينما التونسية : البرلمان يدرس مشروع قانون لإصلاح القطاع    عاجل : قبل صافرة البداية في مونديال الأندية.. رسالة عربية مباشرة إلى رئيس الفيفا    انطلاق خدمة التكفّل عن بعد بالجلطات الدماغية في جندوبة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    عاجل/ رصد متحوّر كورونا الجديد في هذه الدولة..    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضي في خضم الجدل العمومي حول التحرش
نشر في الصباح يوم 24 - 10 - 2017

أتابع هذه الأيام الجدل الدائر حول قضية الأستاذ الجامعي الذي اتهم من قبل عدد من الطالبات بممارسات التحرش الجنسي الذي تحوّل إلى حملتين متضادتين. حملة مناصرة للأستاذ على اعتبار أن المسألة تتعلق بمؤامرة حيكت ضده بسبب آرائه من موضوع المساواة في الإرث وقضية زواج المسلمة بغير المسلم. وحملة تشهير به وإدانة له ومساندة للطالبات لتشجيعهن على كسر جدار الصمت لكشف ممارسات التحرش والتصدي لها كممارسات بشعة صعبة الاثبات وذات كلفة باهظة في المجتمع بالنسبة لمن تثرنها من النساء خاصة ان لم تنته بكشف للحقيقة وإدانة لمرتكبيها كل ذلك في خضم حملة دولية أوسع ضد جرائم التحرّش الجنسي.
الأكيد أن جريمة التحرش الجنسي هي من أفظع الجرائم المنتهكة لجسد المرأة وكرامتها. وهي من أكثر الجرائم تعقيدا وصعوبة في الاثبات لأن أكثر مرتكبيها هم من أصحاب السلطة المادية او المعنوية او القانونية على المعتدى عليهن وممن يتبوؤون أعلى المسؤوليات والذين يتحصّنون بحكم مواقعهم بالسلطة والنفوذ والعلاقات عبر الأجهزة والمؤسسات للإفلات من العقاب. ويمكن أن نتذكّر هنا معا قضية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والمتربصة في مكتبه مونيكا لونسكي والذي لم تعصمه رفعة منصبه من التحرش رغم انكاره الحقيقة أولا وعدم اعترافه بها ثم اقراره واعتذاره حين ضاقت به السبل أمام اللجنة التحقيق الشهيرة التي تشكلت بالكنغرس لكشف الحقيقة لخطورة التعتيم على هذه الأفعال على نزاهة المؤسسات والثقة العامة فيها في دولة القانون . وقضية المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومنيك ستروس-كان مع خادمة الفندق وقضايا المخرج الشهير رامان بولنسكي المتهم في قضايا تحرش واغتصاب.. كما أتذكر هنا قضايا إسناد اللقب للأطفال الذين يولدون خارج العلاقة الزوجية التي باشرت شخصيا العديد منها في نطاق قضاء الأسرة والتي يكون الطفل فيها في عديد الحالات نتيجة علاقة تحرش وفرض علاقات جنسية من مسؤولين كبار في الإدارة ومؤسسات الدولة أو الشركات على العاملات ذوات الأوضاع الهشة والصعبة وهؤلاء يتحصّنون بمواقعهم حتى لا يخضعوا للتحليل الجيني المثبت للأبوة البيولوجية للتفصي من مسؤولية الطفل والأم في حين يخضع لذلك التحليل القاطع في الاثبات الأب العامل البسيط أو العاطل عن العمل.
ما دفعني لكتابة هذه الأسطر هو محاولة ملامسة التفكير حول تناولنا نحن القضاة في نطاق حقنا في التعبير وإبداء الرأي وواجب الحياد المحمول علينا لشتى القضايا المجتمعية والتي تقترن أو قد تقترن بتتبعات تتعهّد بها المحاكم.
إن حياد القاضي هو ضمانة للمتقاضي سواء كان شاكيا أو مشتكى به في محاكمة عادلة في نطاق المساواة أمام القاضي الذي سيباشر الدعوى بالتتبع أو التحقيق أو الحكم والذي يمكن أن يكون نظريا أي واحد من بيننا نحن القضاة أو أن يكون قاضيا من قضاة المحكمة التي ستتعهّد بالشكايات المترتبة على إثارة هذه القضية فلا يجب بهذا المعنى أن يتدخل بأي شكل من الأشكال المباشرة أو غير المباشرة )عبر الانخراط في حملات الفايسبوك مثلا( للتأثير والضغط على زملائه المتعهّدين. فمبدأ المساواة أمام العدالة لا يتحقق كما لا تحقق المحاكمة العادلة إذا سبق للقاضي أن أظهر رأيا متحيّزا لأحد أطراف الدعوى أو ضده . فضمانة الحياد الذاتي للقاضي في نظر الدعوى طبق المواثيق الدولية ذات الصلة تقتضي أن يكون على مسافة من كل الأطراف من دون أي فكرة أو نظرة مسبقة أو انحياز الى أحد من أطراف النزاع. فمن واجب القاضي بالتالي طبق نفس المعايير الدولية أن يكون منزّها عن التعصب الفكري أو الديني أو العرقي أو السياسي أو القطاعي أو الجهوي أو أي نوع من أنواع التعصب والميل. كما أنه في تعليق القاضي في نطاق ممارسة حقه في التعبير من المتعيّن أن تقوده أيضا هذه المبادئ الأساسية ذات التأثير المباشر على حياد السلطة القضائية واستقلالها ونزهاتها.
ومن هذا المنطلق فإنه من حقّنا نحن القضاة المشاركة في النقاش العام حول موضوع التحرش الجنسي وسبل التصدّي له كظاهرة سلوكية وإجرامية وذلك في جوانبها القانونية والقضائية والاجتماعية والسياسية وفي مساسها بالثقة العامة في المؤسسات وإضرارها بمصائر الضحايا وما قد تطرحه من توظيفات.
ولكنه من غير الملائم لنا كقضاة الانخراط في حملات التنزيه المسبق واللامشروط لمن نسب اليه ارتكاب التحرّش لمجرد الصفة أو الموقع العلمي أو المهني أو الاجتماعي أو لصلات سابقة في نطاق علاقة الطالب بالأستاذ أو للاتفاق الفكري معه في مسألة المساواة في الإرث وزواج المسلمة بغير المسلم كما أنه من غير المناسب لنا تبنّي حملات التشهير والإدانة القبلية الجازمة دون أي تحقيقات في الغرض. فلتأخذ العدالة مجراها في الموضوع ولتظهر الحقيقة كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة حول هذه الاتهامات الخطيرة ولتحمّل المسؤوليات إن ثبتت بالتحقيقات والأحكام. ولتكن العدالة ناجزة بأحكام قاطعة في الآجال المعقولة بتجرّد وحياد سواء اتفق من سينظر الدعوى مع الأستاذ في آرائه السياسية والفقهية أو اختلف معه فيها. وليأخذ الملف سيرا عاديا ولا يرقد في الرفوف فتتنكر بذلك العدالة لوظيفتها وتغيب الحقيقة فتجد المحاكمات الإعلامية لطرفي هذه القضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام مبررات قوية لها.
هذه وجهة نظر أردت بسطها من خلال هذه الورقة لأن الموضوع يستحق التفكير حول دورنا وموقعنا كقضاة في مجتمع منفتح نمارس فيه حقّنا الدستوري في حرية التعبير دون الاخلال بواجب حيادنا بتجنّب إظهار الانحياز مع أو ضد أية جهة كانت و بأية خلفية كانت.
(*) رئيسة جمعية القضاة التونسيين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.