لم تكن هذه المرة الاولى التي تتحدث فيها مصادر اسرائيلية عن مباحثات سورية اسرائيلية ولن تكون حتما الاخيرة فقد تعددت الوساطات وتكررت الحصيلة ولا يزال الجولان السوري يخضع للاحتلال منذ اربعة عقود كاملة وقد اتضح انه في كل مرة كانت اسرائيل تعود فيها للحديث عن قنوات للتفاوض تجري مع الجانب السوري الا وتكون الحكومة الاسرائيلية تعيش ازمة سياسية داخلية خانقة او تستعد لحرب جديدة في المنطقة او بصدد البحث عن مخرج لها من مسلسل الفضائح الاخلاقية والسياسية المتواترة في صفوف القيادات الاسرائيلية او كذلك للتهرب من التزامات دولية ازاء القضية الفلسطينية او لتحويل انظار الراي العام الدولي عن انتهاكاتها وجرائمها في الاراضي المحتلة كلما تجاوزت الالية العسكرية الاسرائيلية حدود ما يمكن للاعلام الغربي ولقياداته غض الطرف عنه او تجاهله واليوم.. فإن كل هذه الاسباب والعناصرتبدو قائمة على ارض الواقع فرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت يستعد للخضوع للتحقيق القضائي مجددا بسبب اتهامات بالفساد والساحة الاسرائيلية مرجحة لانتخابات مبكرة بالاضافة الى عودة قوات الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة لممارسة جرائمها اليومية من اغتيال واعتقال ومصادرة للاملاك والاراضي فضلا عن اقتراب موعد الذكرى الثامنة لدحر المقاومة اللبنانية الاحتلال في جنوب لبنان وفي كل ذلك اكثر من سبب او دافع من شانه ان يدفع حكومة اولمرت الى اعادة فتح ملف المفاوضات السورية الاسرائيلية في مثل هذه المرحلة وغداة اعلان مصادر اسرائيلية عن نوايا امريكية لتوجيه ضربة عسكرية الى ايران قبل مغادرة الرئيس بوش البيت الابيض.. والامر لا يبدو باي حال من الاحوال هذه المرة مجرد اشاعة سربتها مصادراسرائيلية لغاية ما.. صحيح انه بين الخبر والاشاعة خيط رفيع يمكن بمقتضاه ان تتحول الاشاعة الى خبر او يتحول الخبر الى مجرد اشاعة حسب مقتضيات بالونات الاختبارالتي تقف ورائه وما يمكن ان ترصده الاراء والمواقف الاستباقية فتقرر اما تكذيب الخبر او تاجيله الى موعد لاحق ولا شك ان في اقرار مصادر سورية الى جانب مصادر اسرائيلية وجود قنوات اتصال بشان الجولان المحتل ما يمكن ان يثير الكثير من نقاط الاستفهام حول حقيقة النوايا الاسرائيلية كما حول التوقيت الذي اختارته اسرائيل التي بادرت بكشف وجود قنوات للتفاوض غير مباشرة تجري تحت المظلة التركية التي تربطها علاقات متينة مع كل من سوريا واسرائيل بحكم موقعها الجغراستراتيجي في المنطقة والتحالفات العسكرية التي تربطها باسرائيل وامريكا. وبرغم اصرار المصادر الاسرائيلية على تاكيد ضرورة وجود ارضية مشتركة عقلية سليمة للتفاوض فانه يبقى من الصعب جدا ان لم يكن من المستبعد التسليم بان قرار عودة اسرائيل للتفاوض حول الجولان المحتل وفق مرجعية مدريد التي اقرت مبدا السلام مقابل الارض امر محسوم او غير قابل للتراجع في ظل ما يتصف به قادة اسرائيل من صفات هي ابعد ما تكون عن الالتزام بقرارات الشرعية الدولية او المصداقية المطلوبة في المفاوضات بين الاعداء او الفرقاء... ان ما امكن تسريبه حتى الان عن هذه المفاوضات السورية الاسرائيلية من شانه ان يكشف ان جهود انقرة التي تتولى دورالوساطة لم تبدا بالامس ولكنها انطلقت منذ نحو عام في كنف السرية لتظل محل تكذيب وتشكيك في احيان كثيرة كلما اقدمت صحيفة اسرائيلية على نشر الخبر حيث سرعان ما كانت المصادر السورية تسارع بنفيه وتكذيبه قبل ان يؤكدا الطرفان الامر في اعقاب سلسلة من الاحداث المثيرة خلال الاشهر القليلة الماضية التي لا تخلو من غموض في مختلف ثناياها اذ بين اقدام الطيران الاسرائيلي على تدميراحد المواقع السورية التي كشف الاعلام الاسرائيلي لاحقا انه مشروع نووي تسعى سوريا لاقامته بمساعدة كوريا الشمالية وبين اغتيال احد ابرز رموز حزب الله منير مغنية في ظروف غامضة وبين تشدد الخطاب الرسمي الامريكي واتهامات الادارة الامريكية المعروفة لكل من ايران وسوريا في دعم المقاومة في العراق ودعم حزب الله في لبنان وحماس في غزة ما يجعل من الاعلان المبكر لهذه المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا وقبل ان يتحقق لها الحد الادنى من الضمانات او النتائج التي يمكن ان تبررالكشف عن وجودها يبقى امرا قابلا لكل التاويلات والقراءات وخاضعا لكل الحسابات واولها حسابات الانتخابات الرئاسية الامريكية المرتقبة في نوفمبر القادم والتي من شانها ان تمنح حكومة اولمرت اذا لم تسقط قبل ذلك فرصة استغلال ما بقي من الوقت قبل مغادرة الرئيس الامريكي الحالي باعتبار مختلف الدروس التي سبق لاسرائيل ان اتقنتها واستفادت منها والتي تحرص بمقتضاها على عدم تقديم أي نوع من التنازلات او تلبية أي نوع من الاستحقاقات والمطالب لادارة تستعد للرحيل فكيف اذا كان الامر متعلقا بهضبة الجولان السوري وبكل ما تتمتع به من ثروة مائية وموقع استراتيجي وامني بالنسبة لاسرائيل.. الحقيقة انه اذا كانت اسرائيل جدية في مفاوضاتها مع سوريا فان عليها ان تؤكد ذلك وان تبدا بتقديم الخرائط التي تحدد موقع الالغام التي زرعتها والتي ما انفكت تحصد ارواح الابرياء المدنيين بسبب رفض اسرائيل الكشف عن مواقع قنابل الموت هناك... ان عودة المفاوضات السورية الاسرائيلية اذا ما تأكدت ستكون استئنافا للمفاوضات المتوقفة منذ ثماني سنوات وهي بالتاكيد لن تكون مفاوضات يسيرة او من غير تعقيدات في ظل ما عرف عن المفاوض الاسرائيلي من تصلب واستهتار بكل القوانين الانسانية والاخلاقية والاعراف الدولية...