عودتنا كوثر بن هنية على تجارب سينمائية فريدة ورؤية «مختلفة» للأشياء.. في «شلاط تونس» أو «زينب تكره الثلج».. تملكتنا الدهشة وأمتعنا السرد والمزج الجميل بين الواقع والخيال.. ولئن أصابت المخرجة التونسية كذلك في خيارها الروائي الثالث الطويل وطرحت قضية شائكة ألا وهي العنف المسلط على المرأة.. وقد يتجلى في أقصى أشكاله عندما يكون المغتصب هو رمز القانون في البلاد وحامي مواطنيها من الظلم والانتهاكات النفسية والجسدية.. فمن البديهي إذن أن تثير قضية اغتصاب شرطين لطالبة الجدل.. المختلف في «على كف عفريت» عن التجارب السابقة لكوثر بن هنية أن القصة مستوحاة من حادثة حقيقية، شهدتها تونس وتفاعل معها جل التونسيين وأسدل الستار على أحداثها بمعاقبة الجناة.. فالتفاصيل معروفة والنهاية معلومة على عكس «شلاط تونس»، الذي ظل لسنوات مجهولا أو تجسيدا لأكثر من شخص واحد كان وراء عمليات ترويع النساء والاعتداء عليهن في شوارع بلادنا بآلة حادة تصيب أردافهن في السنوات الأولى للألفية الثالثة.. ربما لهذا الاختلاف بين القضيتين، توقعنا تناولا محددا من كوثر بن هنية لحادثة اغتصاب مريم بن محمد (الاسم المستعار للضحية) خاصة وأن المخرجة التونسية تعتمد في أعمالها تقنيات سينمائية وسردية تعكس الواقع..غير أن الصورة، التي قدمها فيلم «على كف عفريت» عن الشرطة التونسية وإقصائه لدور مكونات المجتمع المدني في «تونس 2012» وهنا السياق الزماني له دلالة كبيرة في تسويق صورة تونس كما أن عرض الفيلم في مهرجان «كان» السينمائي خلال الدورة المنقضية دون الإشارة إلى أن الجناة وقعت معاقبتهم بالسجن يحيلنا ضرورة إلى نية المتاجرة بالقضية حتى ولو أن هذا لم يكن هدف كوثر بن هنية.. صناع فيلم «على كف عفريت» عادوا وأشاروا لقصاص المشرع في حادثة مريم بن محمد في عرضه الأول في تونس المخصص للصحافة مساء الخميس المنقضي !!.. لن نتوقف أكثر من ذلك عند النظرة الخاصة للمخرجة تجاه ملابسات حادثة اغتصاب «مريم بن محمد» وصورة الشرطي وتهميش دور المجتمع المدني فهذا يبقى موقفا ذاتيا لصاحبة العمل يكفله حقها في إبداع حر.. ما جذبنا في التجربة الفنية الجديدة لكوثر بن هنية هي الجرأة على مستوى الأسلوب وما يستحق الإشادة بالنضج الفني لإحدى أهم مخرجات جيلها في البلاد العربية وليس في تونس فحسب فاعتمادها على تقنية اللقطات الطويلة وحصر الفيلم في تسعة فصول حملت بعض الإطالة والتكرار نسبيا - في الفصول الثلاثة الأخيرة- ومع ذلك أجادت نقل الحكاية بواقعية كبيرة مسلطة الضوء على معاناة الضحية المغتصبة ولولا الأداء المهتز للبطلة مريم الفرجاني لكان فيلم «على كف عفريت» أكثر إقناعا وصدقا، مّما يقودنا إلى إحدى نقاط ضعف الفيلم وهي سوء إدارة الممثلين من قبل المخرجة فرغبتها في استعراض مهاراتها الفنية والتقنية جعلها تغفل الكثير من التفاصيل الأساسية في بناء شخصيات فيلمها وعلى رأسها دور مريم ثم شخصية البطل المساعد يوسف ولم ينقذ الأداء التمثيلي في فيلم كوثر بن هنية الأخير سوى كل من الشاذلي العرفاوي وأنيسة داود.. كوثر بن هنية أجادت استخدم دلالة «السفساري» في مشاهد الفيلم وعلاقته مع البطلة فكان بداية، غطاء لفضيحتها فتمكينها من «السفساري» في مركز الشرطة هو حكم غير مباشر على سلوكها واتهامها بارتكاب إثم فالمرأة المتهمة في بلادنا ترتدي «السفساري» حين تحاكم على جرم ارتكبته ثم تتحول دلالة هذا الغطاء تدريجيا في علاقته مع البطلة لنشاهد مريم في نهاية الفيلم تغادر مركز الشرطة واضعة «السفساري» على أكتافها.. هي تلك الحرة صاحبة الهوية التي قررت مواجهة مصيرها بشجاعة .. تسألنا كثيرا لماذا استغنت كوثر بن هنية عن مشهد الاغتصاب ولم تجعله الفصل الثاني في عملها في لقطة طويلة تواجه فيها مريم داخل سيارة صغيرة بيضاء وحشين آدميين ربما كان للمشهد تأثير أكبر على مصداقية الرواية السينمائية ويمنحها قدرة أقوى في تفاعلها مع المشاهد... «على كف عفريت» أو «الجميلة والكلاب» في عنونته الفرنسية يبقى خيار جمالي تقني لكوثر بن هنية سيشاهده جمهور أيام قرطاج السينمائية هذه الأيام ينافس على جوائز التانيت.