كشف التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لسنة 2016 عن تورط وزير سابق ونقابيين ومسؤولين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في قضية فساد بالمصحات التابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيث افادت البلاغات بقيام ادارة الصندوق بانتداب مجموعة من الاعوان للعمل بالمصحات التابعة له انتدابا مباشرا من خلال التعاقد وان الاعوان المنتدبين تربطهم علاقة قرابة بمسؤول سام وبوزير سابق للشؤون الاجتماعية وبأطراف نقابية. وقد اكد التقرير قيام ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلال سنة 2015 بانتداب أعوان للعمل بالمصحات التابعة له انتدابا مباشرا بصيغة التعاقد خلافا لمقتضيات الفصل 32 من النظام الأساسي الخاص بأعوان الضمان الاجتماعي الذي ينص على أن المناظرة هي الطريقة الأساسية لانتداب أعوان الصناديق. هذا التقرير الذي يعتبر الأول للهيئة كان صباح أمس محور ندوة صحفية تولى إثرها شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد استعراض ابرز ملفاته مشيرا في السياق ذاته استمرار نفس الأشخاص الذين تعلقت بهم شبهات فساد في ارتكاب نفس الجرائم بعد الثورة مستنكرا في هذا الاطار تصرفاتهم التي اتسمت بنوع من الارتياح والإحساس بإمكانية الإفلات من العقاب على حد تعبيره. ولعل الملفت للانتباه في فحوى التقرير استفحال الفساد في قطاعات حيوية على غرار الستاغ والصوناد ومؤسسة الإذاعة والتلفزة..الخ، حيث جاء في معرض تصريحات الطبيب وجود شبهة فساد تعلقت برئيس مدير عام سابق لشركة «اماديوس» الذي متّع نفسه بمنح وأجور تفوق الأجور القانونية والتي بلغت قيمتها 37 مليونا ولم يمتثل لمطلب التفقدية بإرجاع المبلغ، كما تواطأ مع شركة اخرى مساهمة أعفاها بمقتضى ذلك من الأداء على القيمة المضافة بما حرم خزينة الدولة من 21 مليارا. كما تعرض الطبيب ايضا الى شبهة فساد تتعلق باشغال صيانة مدرج مطار قفصة حيث تعهدت الهيئة بعريضة تتعلق بشبهات فساد وسوء تصرف بمناسبة اشغال صيانة مدرج مطار قفصة منسوبة الى مسؤولين بديوان الطيران المدني والمطارات، وقد جاء بالملف ان ديوان الطيران المدني والمطارات قد قام بإبرام صفقة مع مكتب دراسات فرنسي. وقد جاء في التقارير الفنية المعدة من قبل مكتب الدراسات ان معظم البنية التحتية للمطارات بحالة سيئة مقترحا ضرورة القيام بقياسات واختبارات اضافية لرفع هذه النقائص غير ان الادارة العامة رفضت القيام بملحق في الغرض لهذه الصفقة رغم موافقتها في مرحلة اولى، وجاء هذا الرفض نتيجة ضغوطات مسلطة من بعض المسؤولين بديوان الطيران المدني والمطارات. اما فيما يتعلق بشبهات فساد في الصفقات العمومية فقد تعرض الطبيب الى صفقة تتعلق بالشركة التونسية للكهرباء والغاز حيث اشار الى تعمد أحد مسيّري شركة «الستاغ» افتعال نقص في التزويد بالكهرباء ببعض المناطق، ليقوم لاحقا بعقد صفقات عبر التفاوض المباشر مع أحدى الشركات، من أجل تركيز محطات لتوليد الكهرباء بهذه المناطق. وفي نفس السياق كشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب أنّ الهيئة تلقّت ملفي فساد خطيرين يتعلقان بالشركة التونسية لتوزيع واستغلال المياه، ويتمثل الملف الاول في سكب الصوناد الى مادة خطيرة (كيبريتات الالومين) في أحواض السدود بمحطات التحلية لتخليص الماء المعد للشرب من الشوائب العالقة به.. أما الملف الثاني فيتعلّق بتلاعب بالعدّادات حيث اوضح الطبيب في هذا الاطار انه تبين بخصوص النقص في العدادات التي زال الانتفاع بها والمعدة للتفويت فان النقص يقدر وزنه ب 32 طنا من مادة النحاس اي بما يعادل قيمته قرابة 160 الف دينار. وفي نفس السياق تعرض شوقي الطبيب خلال هذا اللقاء الى شبهة فساد مالي واداري بمعهد بورقيبة للغات الحية حيث كشف التقرير عن سلسلة من التجاوزات الخطيرة والخروقات المرتكبة من قبل بعض المسؤولين بمعهد بورقيبة للغات الحية تتعلق بالتلاعب في الفواتير وفي طريقة استخلاصها. كما ثبت التلاعب باذون التزود وبقاعدة العمل المنجز في خلاص اجور الموظفين متطرقا ايضا الى شبهة فساد تتعلق بإذن التزود بمؤسسة التلفزة التونسي تتعلق اساسا بتمكين الغير بمنفعة بغير وجه قانوني. من جهة اخرى تجدر الاشارة الى ان رئيس الهيئة قد ابدى استغرابه خلال هذا اللقاء من عدم إحالة وزارات السيادة ووزارات مثل وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة والنقل أي ملف في علاقة بالفساد على القضاء طيلة سنة 2016 رغم احتكام هذه الوزارات على هياكل رقابية وعلى تفقديات، مثمنا في نفس الإطار جهود بعض الوزارات في مجال مكافحة الفساد على غرار وزارة الشؤون الاجتماعية التي أحالت 21 ملفا على القضاء (منها ملف اللوالب القلبية منتهية الصلوحية) ووزارة الفلاحة التي أحالت 13 ملفا، ووزارة المالية التي احالت 8 ملفات فيما احالت وزارة التربية 7 ملفات فقط داعيا في السياق ذاته كل مستشار أو مسؤول حكومي أو مسير لإحدى المؤسسات العمومية تمت إحالة ملفه على أنظار القطب القضائي الاقتصادي والمالي بسبب شبهة فساد إلى تقديم استقالته. كما حث رئيس الحكومة إلى اعفاء أي مسؤول من مهامه إذا لم يقم بذلك طوعا وذلك قصد تيسير التتبعات القضائية في شأن المعني بالأمر.. تجدر الاشارة الى ان الطبيب قد اوضح بخصوص التقرير أن الهيئة قد تلقت 9027 عريضة 5594 منها وردت على الهيئة على الرقم الأخضر، و275 عن طريق البريد الالكتروني، فيما تم تسجيل 2200 منها بمكتب الضبط، وإحالة 958 منها من رئاسة الحكومة فيما تراوح مآل بعض الملفات بين الحفظ والإحالة على الجهات الإدارية المعنية أو على هيئة الحقيقة والكرامة باعتبارها تخص فترة النظام السابق، أما بقية الملفات فإنها قيد الدراسة والتحقيق. علما ان الهيئة كانت قد تلقت 140 شكاية تتعلق بالصفقات العمومية و1729 شكاية تتعلق بفساد مالي وجرائم اقتصادية، لتتمّ إحالة 94 شكاية الى الجهات القضائية، كما لفت التقرير الى أن 21 بالمائة من الشكايات قُدمت ضد مؤسسات عامة وخاصة و37 بالمائة ضد أشخاص عاديين. يذكر أنه ورد في التقرير السنوي لعمل الهيئة خلال سنة 2016 في باب «إحالات الهيئة إلى القضاء لسنة 2016»، أن الهيئة أحالت ملفا يتعلق بشبهات فساد اقترفها عون بالهيئة، إلى المحكمة الابتدائية بتونس التي أحالته إلى الفرقة المركزية الأولى للحرس الوطني.
