لم يعرف الوضع الثقافي تأزما وحالات من الاحتقان بالشكل الذي يعرفه في هذه المرحلة، وذلك بسبب سياسة الدولة عامة ووزارة الشؤون الثقافية خاصة في التعاطي مع القطاعات الثقافية والعاملين فيها، فضلا عن عدم التفاعل الإيجابي لسلط الإشراف مع التحركات التي نفذها عدد من العاملين في القطاع الثقافي خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد فشل «الاجتماع الصلحي» المنعقد بمقر وزارة الشؤون الثقافية بإشراف الوزير محمد زين العابدين وبحضور وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي وممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارة المالية والاتحاد العام التونسي للشغل إضافة إلى حضور النقابة العامة للثقافة وممثلين عن هياكل نقابية تابعة لقطاعات ثقافية أخرى كطرف رئيسي في هذه الجلسة. وكانت ردة فعل هؤلاء المعنيين بالمطالب القطاعية الهيكلية والتنظيمية والاجتماعية تجاه الفشل في التوصل للحلول الممكنة هي الدخول في إضراب جهوي بكامل المندوبيات الجهوية للثقافة تبعها تصعيد بالدخول في إضراب بمقر وزارة الشؤون الثقافية تواصل يومي 14 و15 من الشهر الجاري لكن لا حياة لمن تنادي من طرف الجهات الرسمية أساسا منها وزارة الشؤون الثقافية ورئاسة الحكومة باعتبار أن المطالب تتعلق بالاتفاقيات القطاعية المتفق عليها منذ أكثر من ثلاثة سنوات ولكنها لا تزال «متروكة» ومعلقة في رفوف رئاسة الحكومة. كما هو الشأن بالنسبة لغيرها من المطالب الأخرى التي تدعو لإعادة النظر في القوانين والأنظمة الأساسية المنظمة للقطاع خاصة فيما يتعلق بأسلاك المكتبيين والموثقين وأعوان وزارة الثقافة ومحافظي التراث. وما زاد الوضع تأزما هو اختيار الجهات المعنية الخيارات «الأمنية» في التعاطي مع الوضع المتأزم وخيار التصعيد الممنهج الذي اتبعه العاملون في القطاعات الثقافية من المشاركين في الإضراب وذلك بالدخول في اعتصام مفتوح بمقر الوزارة خاصة من أصحاب الوضعيات المهنية الهشة العاملين في مجال التنشيط الثقافي والتراث وغيرها من المجالات الأخرى والنقابيين. وذلك بالتدخل بالقوة لفك الاعتصام المفتوح. هذا تقريبا ما أكده مفتاح وناسي كاتب عام النقابة العامة للثقافة في توضيحه لحقيقة الوضع والتطورات الحاصلة فيما يتعلق بالإضراب المتواصل على أكثر من صعيد وبأشكال مختلفة. تهديد بالتصعيد أوضح كاتب عام النقابة العامة للثقافة ل»الصباح» أن الوضع الثقافي يشهد اليوم حالة احتقان شاملة بسبب سلبية رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الثقافية في تعاطيها مع المطالب والملفات الحارقة والعالقة الخاصة «بالثقافي» خاصة منها القوانين الأساسية المنظمة للقطاع التي تم الاتفاق عليها سابقا ولكنها لم تدخل حيز التفعيل في المقابل تسجل الساحة الثقافية «لخبطة» وتطغى عليها «العشوائية» والمحاباة والمحسوبية مما أثر سلبيا على المشهد العام وساهم في تردي الوضع وتأزيمه، حسب تأكيد مفتاح وناسي. وفي جانب آخر من حديثه أفاد أن الجميع في انتظار يوم 6 ديسمبر القادم موعد اللقاء المزمع عقده، حول هذا الموضوع، مع الهيئة الإدارية القطاعية بإشراف المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل وبمشاركة موسعة للنقابات ليتم إثرها اتخاذ القرار المتعلق بهذه الأزمة إما بالمضي في التصعيد أو الخروج بحلول عملية. وأكد في سياق متصل أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وعد بالدخول على الخط لحل هذه الأزمة القطاعية في صورة عدم توصل الهيئة الإدارية القطاعية إلى حل في الاجتماع الذكور أعلاه. وبين محدثنا أن العاملين في القطاعات الثقافية المعنيين بهذا الإضراب لم يرموا المنديل بل يواصلون نضالاتهم وتحركهم متمسكين بمطالبهم التي يعتبرونها مشروعة خاصة أن «الترقيات»ّ و»المنح» مثلا مسألة تعتمدها وزارة الشؤون الثقافية بصفة استثنائية لأسماء دون غيرها. واعتبر ذلك من حق العاملين في القطاعات الثقافية على غرار ما يتمتع به كل العاملين في بقية الأسلاك العمومية الأخرى. كما أكد مفتاح وناسي أن العاملين في القطاع قد أصدروا برقيات إضراب جهوية على غرار ما تم في ولاية القصرين أو ما تسجله بعض الجهات الأخرى من تواصل حمل الشارات الحمراء للعاملين في القطاع في المؤسسات الثقافية بولايتي نابل والمنستير وغيرها. وحمل الجهات الرسمية مسؤولية ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في صورة مواصلة ما أسماه بسياسة المماطلة والآذان المسدودة تجاه المطالب المرفوعة خاصة أن العاملين في القطاع يهددون بالتصعيد بدءا بالدخول في اعتصام مفتوح أثناء سير مهرجان أيام قرطاج المسرحية في صورة عدم التوصل إلى حلول جذرية لأزمتهم القطاعية. وعود رئاسة الحكومة في انتظار التأكيد كما أكد نفس المصدر أن العاملين في القطاعات الثقافية كانوا قد تلقوا وعدا بعقد جلسة في الغرض مع رئاسة الحكومة ولكن لم يحدد بعد موعد هذه الجلسة. وهو يشدد بصفته النقابية المؤطرة للإضرابات والتحركات الاحتجاجية على ضرورة جدية «الدولة» في التعاطي مع هذه الإشكاليات والتحرك في اتجاه إيجاد حلول ونتائج عملية من أجل وضع حد للأزمة التي تعيشها الساحة الثقافية على أكثر من صعيد. وذلك بتحديد موعد للجلسة في أقرب الآجال والتعاطي معها بجدية بحضور جميع الأطراف والهياكل الحكومية المعنية.