نوفمبر 1979 – نوفمبر 2017، نحو أربعة عقود فصلت بين أسوأ هجوم إرهابي على أرض المملكة العربية السعودية استهدف في حينه الوجهة المقدسة الاولى للمسلمين في العالم وهو ما عرف في حينه بعملية العتيبي أو هجوم جهيمان العتيبي وجماعته الارهابية المسلحة، وهجوم مسجد الروضة بسيناء أمس خلال صلاة الجمعة.. قد تبدو المقارنة غريبة بعض الشيء، ولكن الأكيد أن عناصر التشابه تؤكد ان الخطر واحد في الماضي والحاضر... وكما استهدف الهجوم الاول المصلين العزل في الحرم المكي فجر اليوم الاول من العام الهجري بدعوى تصحيح الوضع في المملكة ووضع حد لفساد وكفر العائلة المالكة بقيادة الملك خالد بن عبد العزيز وانصياعها للغرب، فقد استهدفت عملية الأمس المصلين الابرياء اثناء صلاة الجمعة.. صحيح أن المشهد الاعلامي في حينه مختلف عما هو عليه اليوم من سرعة انتقال المعلومة، ولكن الارجح أن وقع الصدمة لا يقل عما يسجل كل مرة مع كل عمل ارهابي يستهدف دور العبادة المختلفة من كنائس او مساجد أو حسينيات.. إنه التنافس المتجدد على التوحش والفظاعة ممن عبثوا بالإسلام وجعلوا منه ورقة لفتاوى التقتيل والتصفية الجماعية.. أكثر من سبب يمكن ان يعيد الى الاذهان عملية العتيبي، إذ وبالإضافة الى ذكرى تلك العملية التي صدمت العالم في 20 نوفمبر 1979 واستمرت نحو اسبوعين قبل اقتحام قوات الأمن الحرم والقضاء على المجموعة المسلحة، فإن في بعض ما نشر بالأمس عن عملية مسجد الروضة بسيناء والذي يتردد عليه مئات المصلين من لجوء منفذي الهجوم الى تفجير المسجد ثم استهداف المصلين بعد ذلك بالأسلحة التي أمكن لهم تسريبها تحت ملابسهم وجه شبه كبير بما قام به أتباع العتيبي ايضا الذين قاموا بإخفاء الاسلحة في التوابيت وايهام الحرس المكي بأنها تحوي موتى للصلاة عليهم.. والحقيقة انه سيكون من الاجحاف توقف المقارنة عند هجوم سيناء بالأمس والحال ان العمليات الارهابية سبق لها استهداف الكثير من المساجد في العديد من المدن العراقية كما سبق لها استهداف مساجد في الكويت والصومال ونيجيريا حيث تكاد جماعة «بوكو حرام» تهاجم المساجد بصورة يومية وآخرها بداية الاسبوع الحالي وكان من تنفيذ مراهق تم تجنيده للغاية كما تم قبل ذلك تجنيد اطفال وفتيات لعمليات انتحارية قذرة.. لا شك اليوم أن مصر وغيرها من الدول التي طالتها يد الارهاب لا تملك خيارا غير اعلان التحدي لكسب ما بقي من المعركة بعد ان ضاقت السبل وجفت المنابع امام الشبكات الارهابية المسلحة التي ستندفع مع موسم اعياد نهاية السنة الى محاولة استغلال كل ثغرة امنية في أي مكان من العالم للتلذذ بامتصاص دماء الابرياء قبل أن تندحر وتتلاشى نهائيا من المشهد، وذلك لعدة اسباب لعل أهمها ان هذه الشبكات ومهما أمكن لها ان تحافظ على بقائها، الى زوال لأنها مرفوضة في كل المجتمعات ولا يمكن ان تكون لها حاضنة شعبية او اجتماعية. وبالعودة الى الهجوم الارهابي بمسجد الروضة بسيناء فإن الاكيد أن العدوان لن يزيد مصر الا قوة وثباتا في استئصال الإرهابيين، والمسألة مسألة وقت فقط.. ومن هنا اهمية العودة الى هجوم العتيبي الذي كان بمثابة ناقوس للخطر لم ينتبه له الكثيرون في حينه وأولهم المملكة التي حاولت الخروج من العملية - التي اعتبرت محاولة انقلابية - بأقل الاضرار، وبالتالي كان الحرص على القضاء على المجموعة التي قيل ان عددها مائتي عنصر وقيل إنه في حدود الخمسمائة... ويبدو ان ارث العتيبي وجماعته لم يكن بالأمر العابر ولا بمغامرة يقودها جمع من الشباب في تلك الفترة ولكن بإرث ايديولوجي متشعب وجد الارضية المطلوبة لينتعش وينمو ويتحول الى خطر ارهابي عابر للحدود.. وقد جاء حديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمس لصحيفة «نيويورك تايمز» ليكشف عن توجهات جديدة في المملكة التي قد تكون انتبهت الى ان جماعات العتيبي لا تزال ماثلة في ثقافة وفكر وتوجهات الكثيرين حتى وإن غابت عن المشهد.. ماذا في راس ولي العهد السعودي؟ ذلك ما سنحاول استقراءه من خلال الحديث الذي نشرته «نيويورك تايمز» عن التوجهات والاصلاحات القادمة في المملكة...