كان وزير الداخلية قد صرح أمام إحدى اللجان البرلمانية بأن تصاعد عدد عمليات السلب والسرقة (البراكاجات) إنما هو من قبيل تهويل وسائل الإعلام، غير أن واقع الحال يؤكد أن هناك شعورا يكاد يشترك فيه الجميع بأن المواطن لم يعد آمنا في الشارع ليلا أو نهارا ويخشى على نفسه من اعتداء أو على أبنائه سواء كان راجلا أو في وسيلة نقل عمومي وبالتالي لم تكن المسألة تهويلا بقدر ما هي واقع معيش. ولعل ما حصل مؤخرا وسط مدينة قفصة، حيث تعرضت شرطية إلى «براكاج» وسلب منها مبلغ مالي من قبل أربعة أشخاص بعد سحبها المبلغ من موزع آلي، كفيل بالتدليل على أننا أصبحنا نعيش على وقع عمليات السلب في وضح النهار وأنه بات مستحيلا اليوم أن «يتطوع» أحد المارة أو أحد الركاب في الحافلات أو المترو أو القطار بنجدة الضحية مهما كانت الظروف. لقد شجعت مثل هذه السلوكيات المنحرفين على التمادي أولا في صنيعهم وثانيا على تكثيف «عملياتهم» وتنويع الأماكن بما يعني أنهم استفادوا من غياب الإجراءات الأمنية وأصبحوا يستغلون العامل النفسي المتسم بالخوف والرعب والاستسلام إن لدى الضحايا أو لدى شهود عيان انتفت عنهم صفة الشهادة بما أنهم أضحوا خير مثال ل»العمى والصم الاجتماعي» اللذين صبغا علاقات المواطنة في الطريق العام. وبالتأكيد لن تكون حادثة قفصة الأخيرة وسيبقى المواطن متحسبا وفي أية لحظة من التعرض لعملية سلب ولا من ينجده أو يحاول دفع الأذى عنه، ودون «التفلسف» في أسباب ارتفاع عدد عمليات السلب أو محاولة التأويل لا بد من القول أن هناك خللا ما في المجتمع ما كان موجودا في عقود ماضية يوم كانت «البراكاجات» في وسائل النقل العمومي أو في الشارع نهارا عمليات نادرة لكن اليوم لا بد من البحث عن الخلل الذي لن يكون سوى خلل مركّب تتظافر فيه عديد العوامل والمؤثرات. المجتمع التونسي في حاجة إلى معنويات مرتفعة ما فتئت تتلاشى على وقع جملة من الظواهر مثل ارتفاع منسوب العنف والجرائم التي دخلت مجال العائلة والإدمان على المخدرات بمختلف أنواعها وفي وأوساط شتى والتحلل الخلقي إضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة بفعل غلاء الأسعار وانسداد الآفاق أمام الشباب والحيرة تجاه المستقبل. عندما نكتشف الخلل سندرك بالتأكيد حجم الخسائر وأن عدد جرائم السلب والسرقة أو القتل لا يجب أن يقاس كميا أو تقارن نسبة الجرائم المرتكبة مقارنة ببلدان أخرى تختلف مع تونس من حيث الديموغرافيا والمستوى الاقتصادي والتقاليد والوعي والحس المدنيين، وما كان أحد يتصور أن نصل إلى هذا الوضع حيث المعنويات يحتويها الخوف والتشاؤم والانطواء على النفس.