تزامنا مع إحياء ذكرى اغتيال الزعيم فرحات حشاد يتساءل البعض عن الدور الذي بات يضطلع به الإتحاد اليوم لا سيما وهو يسجل حضوره بقوة في جميع الملفات المطروحة حتى تلك التي يعتبرها كثيرون تخرج عن دائرة اهتمامه وطبيعة دوره. ولعل جدوى طرح هذا التساؤل تعود أساسا إلى الخيار غير المعلن للاتحاد العام التونسي للشغل بالوقوف في ظهر حكومة يوسف الشاهد في الوقت الذي خذلها كثيرون وواجهت تهديدات بالانسحاب وتخلى عنها الأصدقاء قبل «الأعداء» في المقابل ظل اتحاد الشغل داعما للحكومة رغم انتقاده لها من حين لآخر. وربما تكون حكومة الوحدة الوطنية مدينة للاتحاد بصمودها إلى حد الآن في مواجهة رياح وعواصف عاتية هددت تماسكها وبقائها في أكثر من مناسبة. وتجسد هذا الوئام والود بين الحكومة والمنظمة الشغيلة في أكثر من مناسبة آخرها الجلسة الإيجابية التي جمعت الطرفيين في القصبة والاتفاق البادي بينهما في عديد الملفات حتى تلك التي كانت لوقت قريب تعد خطوطا حمراء لهذا الطرف أو ذاك. ويأتي البيان الأخير للأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي بمناسبة ذكرى اغتيال حشاد ليؤكد هذا الدعم الضمني من الاتحاد لحكومة يوسف الشاهد،حيث أكد الطبوبي على أهمية الاستقرار السياسي كضمانة رئيسية لإنقاذ البلاد في ظل أزمة خانقة تمر بها البلاد وتنبئ بانفجارات اجتماعية على حد تعبيره. كما تحدث الطبوبي عن ضرورة فرض واقع سياسي تتصارع فيه الأحزاب على البرامج لا على المنافع والغنائم. تصريحات ومواقف تبدو ردا أو هجوما معاكسا على ما تردد في الآونة الأخيرة من تهديدات باستبعاد الشاهد وتغيير حكومته وأيضا المستجدات على الساحة الحزبية بما فيها من تشكل لترويكا جديدة في مواجهة تكتلات حزبية برلمانية أخرى. فهل تحول الاتحاد من دور إسقاط الحكومات إلى دور المساند لها؟ وماهي الأسباب التي تدفع بالاتحاد للتمسك بمساندة الحكومة في الوقت الذي تخلى عنها المقربون؟ الإطاحة بحكومات ووزراء لقد ساهم اتحاد الشغل منذ الثورة في نحت ملامح ونهج مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، وكان له القول والفصل في الكثير من المحطات المفصلية على امتداد الست سنوات الأخيرة. والإتحاد بحكم عدد منخرطيه ووزنه وتأثيره فهو يعد فاعلا سياسيا بامتياز طبعا إلى جانب دوره النقابي والاجتماعي، وكانت للاتحاد مساهمة فاعلة في المسار الانتقالي في تونس برز فيها الدور السياسي بأكثر وضوح فتحولت المنظمة الشغيلة إلى شريك في تشكيل الحكومات واختيار وفرض الوزراء . ويبرز الدور الفاعل والحاسم احيانا لاتحاد الشغل من خلال تدخله في فرض تعيين وزراء واستبعاد آخرين حيث كان موقف النقابات ومن ورائهم المركزية النقابية فاصلا في الإطاحة بناجي جلول وزير التربية السابق وقبله سعيد العايدي وزير الصحة في حكومة الصيد. ويعتبر كثيرون أن الاتحاد ساهم في اسقاط حكومات بأكملها على غرار حكومتي الغنوشي اللتين شكلتا مباشرة بعد الثورة فأطاح بالأولى لأنها لم تقطع مع وجوه النظام السابق وبالثانية لوقوفها ضد خيار إحداث الهيئة العليا لحماية الثورة والإصلاح السياسي . ولم تكن علاقة الاتحاد بحكومة الترويكا اثر الانتخابات التأسيسية في 23 أكتوبر 2011 على ما يرام حيث تزامنت تلك الفترة مع حملات تشويه من أنصار الأحزاب الحاكمة ضد الاتحاد وعدد من الوجوه النقابية عقبتها تطورات خطيرة تمثلت أساسا في الاعتداء على مقر الاتحاد يوم 4 ديسمبر 2012 وكذلك إهدار دم الأمين العام السابق حسين العباسي وعدد من الأمناء العامين المساعدين. ومع أزمة الشرعية إبان اعتصام الرحيل جسد الاتحاد قولا وفعلا صفة الخيمة الوطنية وقاد الحوار الوطني الذي انتهى إلى إسقاط حكومة الترويكا والإعلان عن حكومة مهدي جمعة . التوازن السياسي وقد رفع الاتحاد على امتداد هذه السنوات الأخيرة لواء الدفاع والانحياز لخيار المدنية والحداثة إلى جانب العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي للجهات ما جعله يكسب المزيد من الشعبية والتأييد وجعل البعض يدفع به إلى لعب أدوار سياسية متقدمة بعد تراجع منسوب الثقة في الأحزاب السياسية ومدى قدرتها على خلق التوازن على الساحة السياسية. إن الروافد أو العائلات السياسية الرئيسية البارزة في المنظمة الشغيلة هي أساسا التيار اليساري العمالي والتيار القومي والتيار الوطني الديمقراطي وهذه العائلات السياسية مجتمعة تشكل جبهة مقابلة لليمين الذي تقوده اليوم حركة النهضة ما دفع بالبعض إلى وضع الاتحاد في خانة «الحزب الكبير» في مواجهة حركة النهضة . واقع عبر عنه مؤخرا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي خلال الجلسة العامة السنوية لكتلة الحركة، الذي نقل على لسان سفير هولندا أن هذا الأخير تساءل إذا ما كانت هناك أحزاب حقيقية في تونس باستثناء حركة النهضة وأنه إذا أردنا أن نتحدث عن حزب مقابل لها لا نجد سوى الاتحاد العام التونسي للشغل. ولعل مساندة الاتحاد اليوم لحكومة الشاهد تندرج في سياق هذا الدور السياسي التعديلي غير المعلن الذي تلعبه المنظمة الشغيلة بحثا عن التوازن في الساحة السياسية الذي يعتبر الكثير من الملاحظين أن حزب نداء تونس فرط فيه لصالح حركة النهضة . وقد أكد الطبوبي أمس في خطابه في ساحة محمد على بمناسبة إحياء ذكرى حشاد أن تمسك الاتحاد بلعب دوره السياسي بقوله أن الاتحاد لا يتمسك بالحكم، لكن ذلك لن يثنيه عن الاهتمام والتدخّل في الشأن السياسي لأنه أمر يعني الشغالين والنقابيين كمنتجين يتأثّرون بقراراته وتوجُّهاته على حد تعبيره.