ودعت فرنسا في الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء الكاتب، والإعلامي، والأكاديمي جان دورميسون، صاحب مقولة «لطالما هناك كتب، أناس لتأليفها وأناس لقراءتها لن يضيع شيء في هذا العالم الذي أحببناه كثيرا رغم أحزانه وفظاعته» وذلك عن عمر ناهز 92 عاما في باريس. ويعد دورميسون أحد أشهر الكتاب الفرنسيين، تميز بشعبية كبيرة وسط الفرنسيين، انتمى إلى اليمين الفرنسي وأحبه جزء من اليسار وتبنى أفكاره الأدبية. وكان الكاتب وعضو الأكاديمية الفرنسية جان دورميسون قد توفي نتيجة سكتة قلبية في منزله في الضاحية الباريسية نويي، كما أعلنت ابنته الناشرة هلويز دورميسون. وقالت «لطالما ردد أنه سيرحل قبل أن يقول كل ما يريد، وهذا ما حدث اليوم. لقد ترك لنا كتبا رائعة». وانطلقت شهرة دورميسون الأدبية عام 1971، بكتاب «عظمة الامبراطورية»، الذي فاز بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية. التحق الكاتب بالأكاديمية الفرنسية عام 1973، وقبلها كان مديرا لجريدة «لوفيغارو» ونشر ما يربو عن أربعين كتابا. عام 2015 حصل على أعلى تكريم يمكن أن يحصل عليه كاتب فرنسي في حياته، بعد أن نشرت أعماله في مطبوعات «لابلياد» التابعة لدار النشر «غاليمار». وهي المكافأة التي لا تنالها إلا الأعمال الأدبية التي دخلت تاريخ الأدب كأعمال سيرفانتس وفيليب روث وآخرين. مسيرة سياسية عرف عن الكاتب في السبعينيات من القرن الماضي مقالاته اللاذعة والذكية والساخرة في جريدة «لوفيغارو». وعام 1981 نشر مقالة شهيرة بعد صعود الاشتراكيين إلى الحكم يتوجه فيها إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران كتب فيها: «أستدعي رئيس الجمهورية إلى محكمة التاريخ». ومن يومها صار الرجلان صديقين. واعتبر الكاتب في حوار مع جريدة «ليكسبرس» الفرنسية عام 2012 هذا المقال بمثابة بداية صداقته مع ميتران. « هكذا صرنا مقربين أنا وميتران. في أحد خطاباته قال هذه العبارة: «من المؤسف أن يكون كاتب جيد بهذه البلاهة السياسية». ونعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دورميسون عضو الأكاديمية الفرنسية قائلا: «كان يمثل أفضل ما في الروح الفرنسية. وهو مزيج فريد من الذكاء، والأناقة. كان أمير الأدب الذي لم يكن يأخذ نفسه على محمل الجد، المتبصر، المبتسم، لقد فقدنا كلمات جان دورميسون بالفعل». وكان الراحل أبدى دعمه لماكرون خلال الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في ماي 2017. وكان جان دورميسون الذي ولد عام 1925 قد بدأ مسيرته الأدبية منذ 1956. وهو من عائلة من النبلاء الفرنسيين. لكنه فضل نبل الآداب، وصار عضوا في الأكاديمية الفرنسية التي يلقب أعضاؤها بالخالدين. درس الكاتب الراحل في «دار المعلمين العليا» بفرنسا وهي من أهم المؤسسات الجامعية في التكوين في العلوم الإنسانية في فرنسا. وحصل على شهادة التبريز في الفلسفة، قبل أن يبدأ تجربة مهنية كموظف سام. مثل دورميسون فرنسا في عدة بعثات قبل أن يلتحق باليونسكو، التي عمل فيها كاتبا عاما، ورئيسا للمجلس الدولي للفلسفة والعلوم الإنسانية. نشر جان دورميسون رواية الأولى عام 1956وهي بعنوان «الحب هو السعادة». تعاون الراحل منذ 1949 مع العديد من الجرائد من قبيل «باري ماتش»، و«أويست فرانس»، و»نيس ماتان»، وكان نائب رئيس التحرير لمجلة الفلسفة «ديوجين»، قبل أن يصير مديرها العام عام 1976. وكان عضو الأكاديمية الفرنسية (انتخب سنة 1973) الذي يعود له الفضل في دخول أول امرأة إلى معقل الأكاديمية بعد تشجيعاته الكبيرة وبعد أن ظلت الأكاديمية موصدة لقرون في وجوه النساء، الروائية مارغريت يورنسار، كان عاشقا للأدب. كان جان دورميسون يحب التلاعب بالكلمات، وكان مرحا دائما وبشوشا وغير ممل. وقالت عنه فرانسواز نيسين، وزيرة الثقافة الفرنسية: «سنشتاقه كثيرا». وحصل الكاتب على جائزة شاتوبريان عام 1994 عن أعماله: «قصة اليهودي التائه» (1991) و»جمارك البحر» (1994). واستمر الكاتب في تأليف الأعمال الأدبية طيلة حياته، فنشر كتابا في جزأين عامي 1997 و1998 عنوانه «قصة أخرى للأدب الفرنسي»، ورواية «انظروا كيف نرقص» (2001) وكتابين يقدم فيهما «وصيته» هما «تقرير غابريال» (1999) و»كان الأمر جيدا» (2003). وفي عام 2005 أصدر «حفلة الدموع». عام 2013 نشر أورميسون كتابا عنوانه «يوما ما سأرحل دون أن أقول كل شيء». وهو الكتاب الذي أكد فيه مرة أخرى على حبه الكبير للحياة وللأدب الفرنسي. واصدر سنة 2016 كتابا بعنوان «سأقول أن الحياة كانت جميلة رغم كل شيء.»ذ وكان معروف عن دورمسون بحبه للحياة ويشجع التجارب الديمقراطية الناشئة ذلك أنه قال في احدى تدخلاته التلفزيونية كلمات جد مشجعة عن تونس ونادى بزيارتها في وقت كانت تصدر فيه البيانات الرسمية في الغرب التي تحذر من زيارة تونس. كان ذلك اثر عملية باردو الإرهابية التي ذهب ضحيتها عدد من السياح الأجانب 2015).