الندرة خلقت ظاهرتي الاحتكار والسمسرة مما زاد في إضعاف القدرة الشرائية للمستهلك وإضعاف الطبقة الوسطى لا يمكن أن نتخوف من الديون الخارجية التي تلتجئ إليها تونس والدين التونسي لا يعتبر مزعجا لأنه على المدى القصير الإجراءات الحمائية التي شملت 200 منتج سوف تأتي أكلها خلال الأشهر القادمة سجل الدينار انزلاقا بنسبة 17 بالمائة مقابل الثنائي الدولار والأورو لابد من دعم الاستخلاص الجبائي لتجاوز كل الهنات التي لحقت باقتصاد البلاد أجرت الحوار: وفاء بن محمد - أيام قليلة تفصلنا عن انقضاء سنة 2017 واستقبال سنة جديدة، ومازالت البلاد تعاني صعوبات وإشكاليات في التوازنات المالية طالت تقريبا كل القطاعات الاقتصادية خلال سنة بأكملها، حول هذه الصعوبات وابرز الأسباب واهم الحلول الضرورية لتجاوزها، تحدث الخبير في المخاطر المالية مراد الحطاب ل»الصباح» وفي ما يلي نص الحوار: كيف تقيم لنا سنة 2017 التي أوشكت على الانقضاء على المستوى الاقتصادي؟ لا يمكن أن نقيم الوضع الاقتصادي خلال سنة فقط، وليكون المشهد الاقتصادي العام أكثر وضوحا، لابد من حصره في الثلاث سنوات الأخيرة منذ سنة 2015 وصولا إلى سنة 2017، هذه الفترة التي عرفت فيها البلاد صعوبات مالية وإشكاليات في توازناتها المالية وهو أمر لا يمكن إنكاره. لكن تقييم الوضع الاقتصادي يكون عن طريق تقييم أهم المؤشرات الاقتصادية التي تتخلل المشهد عموما، واهم هذه المؤشرات هو مؤشر الإنتاج الصناعي الذي عرف تراجعا في المعدل ويعتبر نسبيا بما يناهز ال(1.6 - بالمائة) خلال هذه الفترة وباعتباره محرار الاقتصاد فأي تراجع ستكون له تأثيرات سلبية على بقية القطاعات ومحركات الاقتصاد الأخرى. وسبب هذا التراجع مرتبط بالأساس بحالة التراخي في التصنيع التي عاشتها البلاد خلال السنوات الأخيرة والحال أن الصناعة أهم قطاع يخلق الثروة، لكن لا اعتبر أننا اليوم في وضعية مفزعة بل هي وضعية مقبولة ومفهومة في سياق الصعوبات التي تعرفها الصناعة في العالم باعتبارها قطاعا معقدا من جهة وفي سياق الوضع المحلي ومعطيات البلاد وما تحمله من تحديات كبيرة من جهة ثانية. بماذا تفسر تواصل ارتفاع نسبة التضخم وتأثير ذلك على المؤسسة والمستهلك؟ في الحقيقة نسبة التضخم أو ما يعرف بمؤشر الأسعار عند الاستهلاك ارتفع في السنوات الأخيرة ليصل إلى حدود ال6 بالمائة وهذه النسبة تعتبر مقلقة للحكومة من جهة خاصة أنها لا تتجاوز ال2 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي في العديد من بلدان العالم ومقلقة للمستهلك من جهة ثانية لان ارتفاع الأسعار يؤدي إلى مزيد تدهور المقدرة الشرائية للمستهلك. والسبب حسب رأيي يكمن في ندرة المنتجات الحساسة والبالغ عددها ال14 منتجا بسبب الصعوبات المناخية التي عرفتها تونس في السنتين الأخيرتين، فضلا عن دوامة الأسعار والأجور فكلما ارتفعت أسعار هذه المواد إلا وطالب الأجراء بالترفيع في أجورهم. وهذه الندرة خلقت ظاهرتي الاحتكار والسمسرة مما زاد في إضعاف القدرة الشرائية للمستهلك وإضعاف الطبقة الوسطى ولقيت هذه الظاهرة خلال هذه السنة تصديا من قبل الحكومة لضرب الغش والاحتكار. والى جانب تأثير ارتفاع نسبة التضخم على المقدرة الشرائية فهي ستؤثر سلبا كذلك على المؤسسة الصناعية باعتبار أن مؤشر الأسعار عند الإنتاج سيرتفع بمجرد ارتفاع أسعار المواد الأولية المحلية والموردة على حد السواء وهذه الأعباء التي ستؤثر بدورها سلبا على القدرة التنافسية للمؤسسة ويؤدي إلى تراجع تصنيف تونس في القدرة التنافسية للمؤسسات في التصنيفات العالمية. سنة 2017 عرفت كذلك تفاقم عجز الميزان التجاري، فما هي ابرز العوامل التي ساهمت في تغذيته؟ صحيح تواصل توسع عجز الميزان التجاري ليصل خلال سنة 2017 حدود ال14.1 مليون دينار بسبب ارتفاع الواردات رغم تسجيل ارتفاع في الصادرات بالمقابل، لكن تعد الإجراءات الحمائية التي أعلنت عنها مؤخرا الحكومة مهمة والتي شملت في البداية 600 منتج ليتقلص في ما بعد إلى 200 منتج من قبل البنك المركزي وسوف تأتي أكلها خلال الأشهر القادمة والمقلق في هذا المؤشر تأثيره على الاستثمار، فالمستثمر الأجنبي يصبح متخوفا من إثقاله بالإجراءات الجبائية التي ستطلقها الدولة في حال تواصل توسع العجز التجاري بعد أن تغطي هذا العجز بالديون، فضلا عن المخاطر التي ستنجر عن توسع عجز الميزان التجاري وأهمها نظرة المؤسسات المالية العالمية لبلادنا... لا يختلف كثيرا حال الميزان التجاري عن الوضع الذي يعرفه الدينار التونسي؟ عرفت العملة المحلية تراجعا هي الأخرى خلال سنة 2017 فقد سجل الدينار انزلاقا بنسبة 17 بالمائة مقابل الثنائي الدولار والأورو، واثر هذا الانزلاق على قطاع التوريد بدرجة هامة من جهة في حين ساعد كثيرا المستثمرين الأجانب على مستوى التصدير من جهة ثانية، كما استفادت من ذلك المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تشتغل على القيمة المضافة غير العالية والمتوسطة. نعرف أن انزلاق الدينار سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة التداين الخارجي الذي سيبقى للأجيال القادمة، ما رأيك في ذلك؟ صحيح أن التداين الخارجي في علاقة متينة بسعر الدينار التونسي مقابل العملات المرجعية خاصة في ما يتعلق بارتفاع كلفة استخلاص الديون الخارجية بالعملة الصعبة في هذه الفترة التي تعيش فيها عملتنا المحلية انزلاقا ملحوظا، لكن لا يمكن أن نتخوف من الديون الخارجية التي تلتجئ إليها تونس والتي تمثل اليوم 68 بالمائة من الناتج الداخلي الخام والدين التونسي لا يعتبر مزعجا لأنه على المدى القصير في معدل سداد لا يتجاوز ال7.1 سنة وليس على المدى الطويل الذي قد يؤثر على الأجيال القادمة باعتبار أن الجيل يتم احتسابه على 15 سنة.. كما أن الدين الخارجي لا يقلق مقارنة بالأسواق المالية الدولية من ناحية قصر المدة ونسبة الفائدة، ويصل حجم التداين الخارجي اليوم لتونس 45 ألف مليار لا تتجاوز ال7 سنوات. وهل ستواصل المؤسسات المالية المانحة إقراض تونس في السنوات المقبلة؟ ليست هناك أية مخاوف من رفض المؤسسات المالية المانحة من إقراض تونس مستقبلا، فهي ستنتهج نفس نهج صندوق النقد الدولي الذي فتح الباب مؤخرا أمام بلادنا لتسريح القسط الثالث من القرض المزمع منحه إليها مع مطلع السنة الجديدة لان تونس غير مكلفة مقارنة ببقية بلدان العالم إذ تتراوح قيمة الاقتراض ما بين 300 و500 مليون دولار... وليست هناك أية مخاوف بشان الشروط التي قد يفرضها مقابل الاقتراض لان الصندوق سيواصل منح تونس قروض وسيعمل بنفس المنهج ولن يفرض شروطا مجحفة كما يتم تداوله لأنه يعرف جيدا خصوصيات تونس الاجتماعية التي لا يمكن أن يتجاوزها ويعرف حضور الدولة بقوة وردة فعلها تجاه أي شرط... لتجاوز جملة الصعوبات المالية التي تلاحق الاقتصاد هل من حلول يمكن أن تقترحها في الوقت الراهن؟ الأكيد هناك العديد من الحلول والإجراءات التي يمكن للدولة أن تتسلح بها على المدى القصير والمتوسط لتجاوز كل الهنات التي لحقت باقتصاد البلاد خلال الثلاث سنوات الأخيرة وأهمها دعم الاستخلاص الجبائي فاليوم تناهز قيمة ديون المؤسسات والأفراد ال3 آلاف مليار لابد من جدولتها، فضلا عن ضرورة تفعيل قانون (99-06) وقانون (96-09) من اجل حماية السوق من الإغراق بالسلع خاصة تلك المتأتية من جنوب شرق آسيا عبر تطبيق كل المعايير عند التوريد. ففي صورة تفعيل هذه الحلول والإجراءات بمرونة يمكن أن يتقلص عجز ميزانية الدولة إلى حدود ال3 بالمائة خلال السنة المقبلة والى حدود ال2 بالمائة خلال السنة التي تليها..