انها صورة أحدثت ما لم يحدثه خطاب ابو مازن في الاممالمتحدة ولا بيان القادة المشاركين في القمة الاسلامية ولا رسالة وزراء خارجية العرب في الجامعة العربية .. انها صورة أخرى محملة بمعاني النضال الشعبي تأتي مجددا من فلسطين وتدهش صناع القرار في العالم الذين كلما انتابتهم قناعة بأن جهودهم بالقضاء على القضية توشك أن تؤتي أكلها إلا وجاء الرد بعكس ما يشتهون... ليس مهما ان كان الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي هدد بحرمان الدول التي ستصوت ضد قراره بشأن القدس من المساعدات الامريكية، قد شاهد تلك الصور، لأنه سيفشل في فك رموزها وقراءة خطوطها وهو من اختار الانتصار للظلم ومعاداة قيم الحرية وتعزيز قوى الاحتلال. وليس مهما أن يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي قد تابع الصورة أوفهم مغزاها.. فالأهم من كل ذلك أن كل محاولات قتل الطفولة الفلسطينية ومصادرة حق أطفال فلسطين في الحياة والكرامة وحرمانهم من متعة اللعب والمعرفة تجعلهم أبطالا تتراجع أمامهم قوات الاحتلال.. إنها صورة المقاومة الفردية والشعبية في آن واحد تكتسح المشهد ويفترض أن تملا الشاشات ولا تغيب عن منبر... صورة عهد التميمي التي انتشرت في كل انحاء العالم تروي سيرة ولادة جيل فلسطيني جديد، صورة تضاف الى صورة ذلك الشاب الكسيح ابراهيم ابو ثريا الذي قتله رصاص الاحتلال على كرسيه المتحرك، وإلى الصورة التي جسدتها الرسامة الايطالية أليسا بيلونزي عن اعتقال قوات الاحتلال شابا فلسطينيا في سن عهد وربما صور كثيرة لم ترصدها عدسات المصورين بعد.. العيال كبرت والطفلة الشقراء عهد التميمي التي انتشرت صورتها قبل سنوات وهي تقف متحدية قوات الاحتلال في قرية النبي صالح، التي نشأت على ارضها، تعود مجددا لرسم ملحمة نضالية جديدة تسقط بقية من ورقة لا تكاد تخفي مذلة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح والاقنعة... عهد التميمي ليست الطفلة الفلسطينية الوحيدة القابعة خلف القضبان في انتظار قرار المحكمة العسكرية الإسرائيلية، فأمثالها كثر والطفل شادي المقدسي الذي لم يطفئ شمعته الرابعة عشر بعدُ هو أصغر الاسرى الفلسطينيين، اعتقل وهو في طريقه الى المدرسة، وكما الطفلة عهد التميمي، فقد اعتبر بدوره خطرا على أمن الكيان الاسرائيلي... عهد التميمي أيقونة جيلها ورمز المقاومة النسائية الجديدة على ارض فلسطين الولّادة تنتصر على «الجيش الذي لا يقهر» وتوجه للعالم الذي يخذل كل يوم أمثالها، رسالة بأن الامل لا يموت وأن الزهر ينبت بين الشوك... صاحبة جائزة حنظلة للشجاعة تربك قوات الاحتلال وتحرج قياداته التي ارسلت عشرين دورية لاعتقالها في بيتها واعتقال والدتها عندما ذهبت تسأل عنها في مركز الاعتقال ثم اعتقلت والدها الذي كان يحضر أطوار محاكمتها.. عهد التميمي سليلة عائلة مناضلة اعتقلت والدتها تحت انظارها وهي طفلة في السادسة من العمر، وكانت تلك اول تجربة لها مع قوات الاحتلال التي افتكت منها الحضن الذي كانت تلجأ اليه وجعلتها تجري وراء المدرعة الاسرائيلية وتصرخ مطالبة بإطلاق سراح والدتها... كبرت عهد وقد تعودت على صور الاعتقال وممارسات الجنود.. علمتها دروس الحياة الا تستسلم أو تستكين، كانت معركتها مع جنود الاحتلال وهي تحاول فك شقيقها الطفل الاسير وقد كسرت ذراعه من قبضتهم محطة من محطاتها النضالية... اليوم تغير المشهد وباتت عهد بدورها في قبضة قوات الاحتلال ولكن مع اختلاف مهم في زمن التكنولوجيا المعاصرة التي تفضح كل انواع الجرائم وتسقط كل الاقنعة التي يتستر بها الاحتلال... يكفي أن تتطلع الى ما كتبته الصحافة العبرية عن الطفلة عهد ابنه قرية النبي صالح لتدرك الحرج الذي وقع فيه الجيش الاسرائيلي وهو يداري تلك الصورة التي وجهت له أصابع الاتهام... طفلة الستة عشر عاما تتحول الى حديث العالم وصورها تخترق كل الحدود الجغرافية وحتى حدود الجدار العازل الذي شيدته اسرائيل وصادرت معه حق الفلسطينيين في العيش الكريم وفي التنقل... صورتها وهي تقارع الجندي الاسرائيلي أحدثت ما لم يحدثه خطاب ابو مازن في الاممالمتحدة ولا بيان القادة المشاركين في القمة الاسلامية ولا رسالة وزراء خارجية العرب في الجامعة... المواقع الاسرائيلية باتت تتساءل ما إذا ستتجه الانظار لترشيح هذه الطفلة لجائزة نوبل بعد الشريط الذي تابعه العالم ... لا خوف على فلسطين والفلسطينيين أصحاب القضية طالما ظلت تلك الزهور تزهر وتنبت بين الصخور لتتصدى لقوات الاحتلال وتنقل للعالم ملحمتها المستمرة... فليطمئن القادة المستنفرين في القمة الاسلامية او الجامعة العربية، لا خوف على القضية، فهناك جيل رضع النضال.. جيل ولد وهو على استعداد لتحمل الامانة قبل حتى ان يتقن فنون الكلام... لمن يستغربون شجاعة الطفلة عهد نقول انها صورة لنساء فلسطين وقد حملن الامانة جيلا بعد جيل.. قد لا تغير القليل او الكثير من المشهد الفلسطيني الراهن وقد لا تؤثر في قرارات وخيارات من لا عهد لهم ممن خذلوا شعبها، ومع ذلك فلا نملك الا الانحناء لهذا الجيل الذي اختار الكرامة عنوانا لنضاله..