أخيرا سمعنا صوت رئيس البرلمان العربي يدوي مطالبا المجتمع الدولي بوقف الجريمة المستمرة على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بسوريا، ولكن رئيس البرلمان العربي محمد الجروان لم يجرؤ على المطالبة بفتح المجال أمام هؤلاء اللاجئين للعودة الى ديارهم لأنه أكثر من يعلم أن المجتمع الدولي غير معني بإنهاء نزيف الدم المستمر في سوريا، ولا بإقرار حق الفلسطينيين في العودة الى فلسطين، وأن البرلمان العربي الى جانب الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي ومعها هيئات الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية، لا تمتلك أن تمنح سكان مخيم اليرموك ولا ملايين اللاجئين الفلسطينيين المشردين هذا الحق المشروع وفقا للقرار194 للجمعية العامة للأمم المتحدة أو غيره من القرارات المدونة في أرشيف المنظمة الأممية... طبعا انها ليست المرة الاولى التي يدفع فيها اللاجئون الفلسطينيون ثمن الحروب والصراعات الدموية التي تحدث في الدول العربية وهم المحرومون دون غيرهم من شعوب العالم من حق العودة الى وطنهم، والأكيد أن ما يعيشه اليوم لاجئو مخيم اليرموك بالعاصمة السورية قد يكون الأخطر مقارنة بما عاناه أمثالهم مرارا في لبنان وما عاشوه أيضا في ليبيا وما تحملوه خلال الحرب على العراق وبعدها بعد أن سدت المنافذ أمامهم وباتوا هدفا للانتقام بدعوى أن صدام حسين كان لا يبخل عليهم بالمساعدات في كل المناسبات، ولم يتمتع فلسطينيو العراق المطرودين بالاستقرار مجددا إلا بعد أن تحملوا الأذى طويلا وانتظروا أن تفتح أمامهم أبواب اللجوء الى البرازيل متخلين عن كل مكاسبهم ليبدؤوا هناك حياة جديدة لا تخلو بدورها من الإبعاد والمعاناة والانفصال عن عائلاتهم. بل الأكيد اليوم ورغم كل التعتيم والغموض الذي يخيم على المشهد السوري القاتم أن اللاجئين الفلسطينيين يعيشون المعاناة مضاعفة منذ فترة وهم الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الجيش النظامي السوري وسندان قوات المعارضة فتحول مخيمهم الى مسرح للاشتباكات المسلحة ومخبر لمختلف أنواع السلاح المتوفرة لدى الجانبين... ولعل من زار هذا المخيم واستمع إلى قصص أمهات الشهداء وخبر حياة أهله ومآسيهم ورحلتهم الطويلة مع التشرد والضياع، يدرك اليوم حجم الخوف الملازم إياهم من المجهول وهم الذين سلبوا حقهم المشروع في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها منذ أربعينات القرن الماضي... أكثر من150 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون اليوم في مخيم اليرموك وبعضهم لم يعرفوا له بديلا منذ فتحوا أعينهم على هذا العالم، بل ان فلسطين التي ينتسبون لها لا يعرفونها إلا على الخريطة أو من خلال ذكريات وحكايات الأجيال المتعاقبة أو مفتاح البيت الذي تحرص الجدة على إخفائه في صندوق الملابس الذي حملته يوم غادرت أرضها على أمل العودة القريبة التي ستؤمنها الجيوش العربية التي ستستعيد الأرض المسلوبة وتنقذ معها القدس من الغزاة اليهود، كل ذلك قبل أن يضيع الحلم ولا يبقى غير المفتاح الحديدي... بالأمس تعددت الأصوات من داخل المخيم وخارجه مطالبة بإنقاذ اللاجئين بعد احتدام الاشتباكات بين الجيشين المتناحرين ليجد أهل المخيم أنفسهم رهائن لنزاع لا خيار لهم فيه بسبب حشر فصائل فلسطينية مسلحة قد تكون تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلى جانب النظام السوري، وهو ما أقحم أهالي المخيم كرها في الصراع وجعلهم يدفعون الثمن من دمائهم وأرواحهم... ولا شك أنه كلما استمرت المعارك وتأخر الحل كلما تضاعفت الجرائم وقد بدأت منظمات حقوقية تشير الى ارتكاب جرائم حرب في حق المدنيين من أهل المخيم. من حق أي مواطن في المهجر على حكومة بلاده أن تستنفر كل الجهود لترحيله وتوفير كل الإمكانيات والأسباب لنقله الى أماكن أكثر أمنا سواء في حالات الكوارث أو الصراعات والحروب، ولكن اللاجئ الفلسطيني اليوم لا يمكنه الاحتماء بهذا الحق المشروع، والكارثة الكبرى أنه لن يكون أمام لاجئ اليرموك إلا الصبر والموت في صمت تحت القصف العشوائي الذي يستهدف المخيم...