يحدد في الغالب قانون المالية يصدر قبل يوم 15 ديسمبر من كل سنة ملامح التوجه العام للسياسة الاقتصادية للسنة الجديدة والامتيازات وامكانيات التقشف او الانتعاشة والانفتاح او الانغلاق على الخارج.. وقانون المالية للسنة الجارية 2018 الذي يعد ال8 في الترتيب بعد الثورة (2011) سبقته 5 قوانين مالية تكميلية اخرها كان في السنة الماضية 2017، جاء بدوره محملا بمؤشراته الاقتصادية والاجتماعية.. التي اعتبرها الخبراء والمختصون دلالات تؤكد ان السنة لن تكون سهلة على المواطن التونسي ولن تحمل الشيء الكثير فيما يهم الوضع الاقتصادي ولن تاتي بذلك التغير الاجتماعي الذي طال انتظاره.. وينص مشروع قانون المالية لسنة2018 كما جاء في فصوله على الترفيع في الأداءات والضرائب، ويشمل ذلك الزيادات في الآداء على القيمة المضافة بجميع أصنافها والترفيع في معاليم الإستهلاك والزيادة في الضرائب الموظفة على الأجور والدخل إلى جانب إقرار مساهمة اجتماعية عامة توظف على الدخل. قانون مالية جديد رأى عبد الرحمان الهذيلي الرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، انه اتى في وضع يتميز بتسجيل فشل إضافي فيما يخص تحقيق الانتعاش الاقتصادي او نسب النمو وهو ما سيسهم حسب مقاربته الحقوقية في تعميق الاختلالات والتوازنات على الصعيد الداخلي بين الجهات والخارج وتدهور وضعية الميزانية العمومية وتعميق عجز الميزان التجاري وتراجع احتياطي العملة وانحدار قيمة الدينار وارتفاع نسب البطالة وفي نفس الوقت المديونية العمومية. حيث يعتبر الهذيلي ان قانون المالية 2018 قد وقع بناؤه على فرضيات هشة تجعل من نتائجه المتوقعة صعبة التحقيق. فقد انجز دون اطار مرجعي استراتيجي تحت ضغط هاجس تحقيق توازنات مالية مقبولة من طرف صندوق النقد الدولي الذي لنا معه اتفاقية مبرمة منذ سنة 2016 في عهد حكومة الحبيب الصيد. ولتحقيق هذه التوازنات التي ترتبط بالضغط على النفقات والرفع من نسبة الموارد الجبائية الذاتية وتقليص عجز الميزانية، وقع اللجوء كما قال الى الرفع في عديد الضرائب والمعاليم خاصة في ميدان الضرائب غير المباشرة. ومثل هذا التمشي حسب تقييم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سيقود حتما الى مزيد التقليص من القدرة الشرائية والضرر بتنافسية المؤسسات. وبين عبد الرحمان الهذيلي ان قانون مالية 2018 قد اعتمد في نفس السياق على تمش اضر بإمكانية تحقيق الانتعاشة الاقتصادية التي تبقى إشكالية محورية للخروج او التقليص من ازمة المالية العمومية ذلك ان جميع محركات النمو أصبحت نسبيا في حالة تعطل او هشاشة. فالمحرك الأول الذي يمثل الاستهلاك سيقع تعطيله بحكم الزيادات المشطة في الضرائب غير المباشرة مما سيساهم في تراجع القدرة الشرائية والطلب الداخلي. اما المحرك الثاني والذي يخص الاستثمار ففي ظل تراجع نسبة الاستثمار العام واستمرار تدهور مناخ الاعمال حسب كل التقارير التي تخص مكونات هذا المناخ فالمرجح بالتالي هو مزيد تراجع افاق الاستثمار والطلب الداخلي (الاستثمار + الاستهلاك). اما المحرك الثالث الذي يمكن ان يعوض الطلب الداخلي والذي يخص الصادرات فما يمكن ملاحظته في هذا الاطار طيلة السنوات الماضية ان المنحى المهيمن يتسم بتراجع تنافسية المؤسسات التونسية عبر تراجع موقعها في السوق الأوروبية نظرا لحدة المنافسة سواء من قبل البلدان المنتمية حديثا الى الاتحاد الأوروبي او من قبل البلدان الآسيوية. ومع افاق تراجع النمو في منطقة الأورو وخاصة بالنسبة لاهم البلدان الشريكة اقتصاديا بتونس، إضافة الى ضعف إنتاجية عناصر الإنتاج لدى المؤسسات التونسية.. فان الصادرات لا يمكن لها ان تعوض تراجع الطلب الداخلي المرتقب. مقاربة اجتماعية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لم تختلف كثيرا عن بقية المقاربات الاقتصادية والسياسية التي احاطت بقانون مالية 2018، حيث عبر قسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل عن تحفظه عبر تقديمه لجملة من المقترحات البديلة لتعبئة ميزانية الدولة والتي حاول فيها تغيير توجيه سهام الحكومة من المواطن الى عناوين الاستثراء والتهرب الجبائي.. اما اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية فقد كان موقفه اكثر وضوحا وحدة واعتبر ان قانون المالية لسنة 2018 جاء ليزيد من اثقال كاهل المؤسسات وهو ما اعتبره المكتب التنفيذي ضربا في العمق لمبدا التوافق الذي بنيت عليه وثيقة قرطاج وهو ما سيزيد من تدني الثقة بين الدولة والمستثمر والنفور من بعث المشاريع. واعتبر اتحاد الصناعة والتجارة في بيانه الصادر على خلفية المصادقة النهائية على مشروع قانون المالية 2018 امام مجلس نواب الشعب ان ما جاء فيه من فصول لم تكن موجودة في نسخته الأولية سيتسبب في غلق العديد من المؤسسات وفقدان مواطن الشغل وبالتالي تازيم الوضع الاجتماعي. اما سياسيا فلم يلحق قانون مالية 2018 النقد من أحزاب المعارضة وأحزاب الجبهة الشعبية فقط بل رافقته تحفظات من اغلب الاطراف السياسية باعتبار تلك التي داخل الحكومة.