لا يبدو ان الاتحاد العام التونسي للشغل مطمئن للواقع السياسي الراهن في ظل أزمة سياسية باردة قد تنفجر في اَي لحظة، انفجار يغذيه واقع اقتصادي مهزوز واجتماعي ممزق. هكذا امر سرع في اشتعال كل الاضواء الحمراء في إشارة واضحة للخطر القادم وهو ما التقطه الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أخذ في التحول من منطقة الشريك الى المحذر من المخاطر في وقت بدأت فيه بعض الأطراف السياسية تتحسس هي الاخرى أهمية ضمان الاستقرار السياسي كدعامة للاستقرار في الحكم والحد من وقع الأزمة السياسية. موقف اتحاد الشغل اول امس في جندوبة لم يكن الاول أو الأخير فقد دعا الأمين العام نور الدين الطبوبي مختلف الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية التونسية إلى بناء منظومة سياسية «نظيفة وبعيدة عن الفساد وضامنة لديمقراطية حقيقية»، مشددا على ضرورة أن تقوم هذه المنظومة على خيارات اقتصادية واجتماعية قادرة على معالجة الاوضاع المتأزمة والملفات الحارقة». وأبرز الطبوبي في افتتاح اشغال المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة أهمية أن تعمل الحكومة، وكافة الاطراف السياسية، ومكونات المجتمع المدني، على إرساء منظومة قادرة على توفير الحلول خاصة لمعضلة البطالة وللتضخم المالي، وكفيلة بمعالجة ملف الجباية والتوزيع العادل للثروة، ومستعدة لمقاومة كل أشكال الفساد التي تضرب الادارة التونسية. انتخابات تشريعية مبكرة وفِي الواقع لم يكن موقف الاتحاد اقل حدية من موقفه السابق والذي دعا فيه صراحة الى خيار الانتخابات النيابية المبكرة كحل جذري لراهن الأزمة السياسية خاصة بعد الانتخابات الجزئية بالمانيا وما شابها من تطاحن معلن بين مختلف أطراف الحكم وأساسا بين النداء والنهضة على خلفية خسارة النداء لمقعده بدائرة المانيا لصالح المترشح المستقل ياسين العياري وهو ما اعتبره النداء فرصة لفك الارتباط بشريكه في الحكم حركة النهضة. وبرر الطبوبي قوله ذاك بان تونس تعيش عدم استقرار سياسي ما سيكون له تداعيات سلبية على جميع المجالات وان الوضع الذي تمر به البلاد صعب وإذا تواصل فانه يتطلب موقفا حاسما بالمرور الى انتخابات تشريعية مبكرة. وكشف الاتحاد في الذكرى السابعة للثورة بسيدي بوزيد ان ما تعيشه تونس من تجاذبات هو في علاقة باقتسام الحكم كغنيمة مما خلق مناخا سياسيا غير مستقر اثر بشكل واضح وبات يهدد اَي استقرار. وكان الاتحاد واضحا في تشخيص الأزمة السياسية في بلادنا والتي بدأت في التدحرج من الكواليس الى العلن خاصة تلك المتعلقة بإرث الباجي قائد السبسي ومن سيخلفه اثر نهاية ولايته الحالية (2014/2019) لتنطلق الحمالات الانتخابية المبكرة للبعض وتشكل معارضة قوية للحالمين «بالمبيت» في قصر قرطاج. الطموحات السياسية ولَم تكن رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بمعزل عن هذا الدوران وهو ما سعى برئيس الحكومة يوسف الشاهد لاستباق الجميع والتأكيد على انه لن يترشح للانتخابات الرئاسية في حال قرر الباجي قائد السبسي الترشح لولاية جديدة كاشفا عن سقف طموحه السياسي الذي بات عاليا بالترشح للرئاسة ومنافسة الجميع ملتزما اخلاقيا (في نفس الوقت) بالتراجع بل ومساندة «سي الباجي» في حال خير اعادة تجربة الحكم بعد 2019. موقف الشاهد ولئن بدا إيجابيا بالنسبة لمساندي الباجي قائد السبسي و«محرضيه» على الترشح مجددا للاستحقاق الانتخابي فانه سلبي بالنسبة للمنافسين المحتملين أو أولئك الذين يَرَوْن في ذواتهم «ماكرونيات» ممكنة. فقد فتح فوز الرئيس الفرنسي «ماكرون» الشاهية للجيل الجديد من السياسيين لان يكونوا رؤساء هم ايضا وبات كل منهم يرى في نفسه نموذجا محتملا لرئيس الجمهورية وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في تصعيد وتيرة الخلافات بين محسن مرزوق وسليم الرياحي من جهة وبين ياسين ابراهيم ويوسف الشاهد ايضا مما اثر سلبا على الحياة السياسية وهو ما حذّر منه الاتحاد العام التونسي للشغل في اكثر من محطة حيث كان آخرها اجتماع جندوبة. واذ يبدو تخوف الاتحاد مفهوما في هذه الفترة، خاصة مع الارتفاع المشط في الأسعار وسعي أطراف الى تحريك الشارع احتجاجا على تأزم الوضع الاجتماعي رغم محاولات طمأنة رئيس الحكومة للتونسيين في حواره الأخير وظهوره بعباءة المتفائل فان الوضع يحتاج معالجات سريعة بعيدا عن الترقيع وتسكين الالم فهل ينجح الشاهد في الوصول الى الضفة الامنة قبل ان يبلغه المثل الذي أتاه رئيس الجمهورية حين قال « الضرب باش يولي في العتق ما عادش على الورق»؟